-A +A
رامي الخليفة العلي
اختتمت في جدة أعمال القمة العربية الأمريكية التي كانت برعاية المملكة العربية السعودية، والتي سبقتها قمة سعودية ـ أمريكية نقلت العلاقة بين البلدين إلى مستوى آخر مختلف من التعاون والشراكة الاستراتيجية. لا يخفى على أحد الفتور الذي أصاب العلاقات السعودية ـ الأمريكية وتالياً العربية ـ الأمريكية، لأسباب مختلفة أهمها هي فكرة سادت خلال السنوات الماضية حول تراجع أهمية الشرق الأوسط بمقابل تركيز واشنطن جهودها في جنوب شرق آسيا، وكذا تحول الولايات المتحدة من مستورد للطاقة الأحفورية إلى منتج ومصدر، وأخيراً ما منيت به واشنطن من فشل سواء في العراق أو أفغانستان والذي تجلى في الانسحاب المذل من هذا الأخير. لكن الأهم من هذه الأسباب هو الخطاب الأيديولوجي والدوغمائي الذي تبنته حملة جوزيف بايدن الانتخابية، وإدخال العلاقة الأمريكية ـ العربية في إطار التجاذب الانتخابي الذي خرج في كثير من الأحيان عن اللياقة الدبلوماسية.

لقد بدا هذا المنطق بعيداً عن الفهم العميق للتوازنات الاستراتيجية، ليست فقط تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، ولكن حتى ما يتجاوزها إلى التوازنات الدولية، ففي الوقت الذي تستخدم فيه واشنطن سياسة انتخابية صبيانية اتجاه الشرق الأوسط كانت موسكو وبكين تبنيان جسور التفاهم والود مع دول المنطقة، وهذا ما اعترف به مؤخراً الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن. لذلك كانت قمة جدة فرصة مناسبة لإخراج العلاقات الأمريكية ـ العربية من مأزقها، خصوصاً في ظل الحاجة الأمريكية الماسة للدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية لإحداث تأثير على سوق الطاقة مما يؤدي إلى انخفاض في أسعار المحروقات في الولايات المتحدة بما يبقى آمال الديمقراطيين قائمة في الانتخابات النصفية في الخريف القادم. لقد قادت المملكة العربية السعودية الموقف العربي لتحديد أسس العلاقة مع واشنطن خلال الفترة القادمة. ففي مجال الطاقة سوف تعمل الدول العربية المنتجة للنفط وعلى رأسها المملكة لضمان استقرار الأسعار وفي ذلك مصلحة للدول المنتجة والمستهلكة وذلك من خلال التنسيق مع دول أوبك بلاس. والدول العربية تريد شراكة مع الولايات المتحدة وتعاوناً في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية وصولاً للتعاون التقني والفضائي، مروراً بالتعاون الاقتصادي. ولكن هذه الشراكة مع واشنطن لن تكون على حساب علاقات دول المنطقة مع دول العالم الأخرى. كما أن هذه الشراكة التي يريد منها البيت الأبيض أن تلبي مصالحه، يجب أن تلبي مصالح الدول العربية واحتياجاتها الأمنية. أما التدخل في الشؤون الداخلية من قبل الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، وهذا ما عبر عنه الأمير محمد بن سلمان عندما أشار في لقائه مع بايدن إلى أن الأخطاء تقع في أي دولة، ولكن المهم أن تكون لدى الدولة آلية لمعالجة الأخطاء ومعاقبة المخطئ، وهذا حاضر في المملكة ولله الحمد مع الشرع الحنيف. يجب على الولايات المتحدة تفهم الخصوصية العربية والسعودية واحترام الهوية الإسلامية باعتبارها جزءاً من الشخصية العربية التي لا يمكن التنازل عنها.


قمم جدة أظهرت نشاطاً سعودياً استثنائياً استطاع جعل مخرجات القمم تصب في مصلحة الشعوب العربية والأمن القومي العربي بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كما أفرزت القمم قيادة شابة سوف يكون لها باع عظيم خلال السنوات والعقود القادمة؛ هي شخصية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود.