«العالم يتغيّر».. استوقفتني هذه العبارة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل زيارته الأخيرة لمنطقة الشّرق الأوسط، وهي عبارة قد تبدو عادية لو صدرت من غير رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كون هذا التغيّر أمرا ملحوظا وملموسا، ولا يحتاج إلى استهلاك لغوي لإدراك حقيقته الماثلة للعيان على أرض الواقع، فصدورها من الرئيس الأمريكي، وفي هذا التوقيت بالتحديد، يحمل المرء على تقليبها على كافة الوجوه، ومحاولة النّظر في ما قبلها، وما بعدها، وما ترمي إليه على وجه اليقين والتحديد.
فبنظرة خاطفة إلى سجل الوقائع التاريخية في عصرنا الحاضر، ظل عالمنا محكومًا تحت نظريتي الرأسمالية والشيوعية، في مستويات الصراع المختلفة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، متمظهرًا في أوج أواره واحتدامه في الحرب الكونية الأولى، ثم الثانية، محتقنًا من ثم في مظهر الحرب الباردة بين المعسكرين، والمحصلة من ذلك سطوة استعمارية أخضعت الرقع الجغرافية على سطح الأرض، وبخاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى سطوة القوّة، وقسّمتها؛ كيفما انتهت إليه المطامع المسنودة بقوّة السلاح وسطوة الجبروت، إلى «كنتونات» سُمّيت أوطانًا، وظلت هذه «الحالة الاستعمارية» سائدة معظم القرن الماضي، رغم حركات التحرّر التي قادتها الدول المُستعمَرة، وشعوبها المضطهدة، والتي أثمرت في النهاية عن خروج «ميكانيكي» فقط من الرقع الجغرافية، فيما ظل الاستعمار يلعب دوره عن بعد من خلال «الريموت كنترول»، بصور عديدة، سواء بالتبعية الثقافية وذوبان الهويات، أو عبر الاستغلال الاقتصادي وإخضاع الدول وشعوبها لسطوة المستعمر، بامتلاكه لأدوات الإنتاج الحديثة، والتقنيات التي لا غنى عنها، وهو واقع لم تفلح مواثيق الأمم المتحدة – على نصاعتها – في إنزاله إلى أرض الواقع بما يمنح تلك الدول معنى الاستقلال الحقيقي..
ولمّا كانت «الحرب» هي المحدّد الأكبر لماهية أي تشكيل ونظام كوني جديد، وبما أن العالم اليوم على شفير حرب كونية ثالثة، من خلال ما نشاهده من تصعيد بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، فإن عبارة الرئيس جو بايدن: «العالم يتغيّر»؛ تأخذ - بهذا المفهوم - بعدًا تراجيديًّا جديدًا، يتطلّب منّا أن نذهب أبعد بإزاحة السجف الزمانية، لقراءة ما يمكن أن يفضي إليه هذا التغيّر الحتمي، ومتراتبته، وموقعنا منه..
فواقع الحال أن الحرب الكونية الثالثة متى ما نشبت واشتدّ أوارها، فنتائجها لن تكون، بأي حال من الأحوال، كسابقتيها، إذا ما أخذنا في الاعتبار نوعية السلاح المستخدم، وبخاصة السلاح النووي، الذي خرج التلويح به من قبضة «الحذر» إلى «التهديد» من قبل روسيا في حربها الأخيرة مع أوكرانيا وكذلك تهديد كوريا الشمالية على لسان رئيسها كيم جونغ أون، بأن بلاده مستعدة لتعبئة ردعها النووي في أي مواجهة عسكرية مقبلة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ومتى تجاوز حاجز التهديد إلى «الوعيد» فإن فرضية استخدامه حينئذٍ ستبقى مسألة وقت لا أكثر، بما يعني إفناء كاملا للحياة التي نعيشها اليوم.. وهو ما يعني بداهة أنّ «العالم يتغيّر»..
ولو أحسنّا الظن، وافترضنا تغليب الحكمة في هذا الصراع، فإنّ المحصلة منه ستفرض واقعًا جديدًا، تتغير فيه قواعد اللعبة السياسية، والمنظومات الفكرية المسيّرة لحركة التاريخ الإنساني المعاصر، وزحزحة الافتراضات الأيديولوجية، التي تمحورت حول القطبية الثنائية طيلة العقود الماضية، بما يمكننا أن نشير إلى «موت» المنظومات الأممية المترهلة؛ مثل الأمم المتحدة، وما على شاكلتها، والجنوح نحو تأسيس تشكيلات وتحالفات إقليمية أو أممية خفيفة الحركة، منسجمة الأفكار والتطلعات، بحيث تصبح ذات ثقل وتأثير آني وفوري في مجمل ما يطرأ على الساحة العالمية، وهو ما نشهد مظاهره الأولية في عالم اليوم، وتعدّد أقطابه، وانفتاحها، ورغبتها في استقطاب ما ينسجم مع روح التعاون معها على قاعدة الاستفادة المتبادلة، دون تبعية أو إملاء سياسي.
إن هذا التغيّر الذي نشير إليه لمحًا، بفرضية تغليب صوت الحكمة والعقل، يواجهه أيضًا خطر داهم وخارج عن السيطرة والتقدير، يتمثّل في التغيّر الدراماتيكي في المناخ عالميًا، مفضيًا إلى كوارث لم تشهدها بلدان العالم من قبل، فظاهرة الاحتباس الحراري نقلت الجفاف إلى أوروبا الخضراء، ولم تسلم منه حتى حديقة «الهايد بارك» في لندن، لتبدو قاحلة جرداء، وغارت أنهار، واحترقت محاصيل، وهلكت نفوس من جراء درجات الحرارة المرتفعة، في أرض «تموت من البرد حيتانها»، فإذا كان هذا حال أوروبا، فلك أن تتخيل أي واقع ينتظر أفريقيا والشرق الأوسط بعامة، وكلها محاطة بصحراء قاحلة، ولا تملك من أسباب الخضرة إلا النزر اليسير، هذا واقع جديد، وعنصر خارجي أقوى من قعقعة السلاح، ودوي المدافع، فالخطر ماحق، والمجاعة تلوح في الأفق، وهنا فقط يبرز صوت العقل، والتفكير الإيجابي خارج الصندوق.. وهنا فقط يتوجّب على العالم أن يدير بوصلة اهتمامه إلى ما طرحه ولي عهدنا الأمين محمد بن سلمان في مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، ففي مرآتها فقط يمكن للعالم أن يتغيّر؛ ولكن إلى الأحسن، وهنا يكمن الفرق في عالم اليوم بين من يفكّر بـ«رؤية» بنّاءة، ومن ينذر بعالم يتغيّر وفق سلطان القوّة ومحركات الاستعمار بكل نوازعه.
فبنظرة خاطفة إلى سجل الوقائع التاريخية في عصرنا الحاضر، ظل عالمنا محكومًا تحت نظريتي الرأسمالية والشيوعية، في مستويات الصراع المختلفة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، متمظهرًا في أوج أواره واحتدامه في الحرب الكونية الأولى، ثم الثانية، محتقنًا من ثم في مظهر الحرب الباردة بين المعسكرين، والمحصلة من ذلك سطوة استعمارية أخضعت الرقع الجغرافية على سطح الأرض، وبخاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى سطوة القوّة، وقسّمتها؛ كيفما انتهت إليه المطامع المسنودة بقوّة السلاح وسطوة الجبروت، إلى «كنتونات» سُمّيت أوطانًا، وظلت هذه «الحالة الاستعمارية» سائدة معظم القرن الماضي، رغم حركات التحرّر التي قادتها الدول المُستعمَرة، وشعوبها المضطهدة، والتي أثمرت في النهاية عن خروج «ميكانيكي» فقط من الرقع الجغرافية، فيما ظل الاستعمار يلعب دوره عن بعد من خلال «الريموت كنترول»، بصور عديدة، سواء بالتبعية الثقافية وذوبان الهويات، أو عبر الاستغلال الاقتصادي وإخضاع الدول وشعوبها لسطوة المستعمر، بامتلاكه لأدوات الإنتاج الحديثة، والتقنيات التي لا غنى عنها، وهو واقع لم تفلح مواثيق الأمم المتحدة – على نصاعتها – في إنزاله إلى أرض الواقع بما يمنح تلك الدول معنى الاستقلال الحقيقي..
ولمّا كانت «الحرب» هي المحدّد الأكبر لماهية أي تشكيل ونظام كوني جديد، وبما أن العالم اليوم على شفير حرب كونية ثالثة، من خلال ما نشاهده من تصعيد بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، فإن عبارة الرئيس جو بايدن: «العالم يتغيّر»؛ تأخذ - بهذا المفهوم - بعدًا تراجيديًّا جديدًا، يتطلّب منّا أن نذهب أبعد بإزاحة السجف الزمانية، لقراءة ما يمكن أن يفضي إليه هذا التغيّر الحتمي، ومتراتبته، وموقعنا منه..
فواقع الحال أن الحرب الكونية الثالثة متى ما نشبت واشتدّ أوارها، فنتائجها لن تكون، بأي حال من الأحوال، كسابقتيها، إذا ما أخذنا في الاعتبار نوعية السلاح المستخدم، وبخاصة السلاح النووي، الذي خرج التلويح به من قبضة «الحذر» إلى «التهديد» من قبل روسيا في حربها الأخيرة مع أوكرانيا وكذلك تهديد كوريا الشمالية على لسان رئيسها كيم جونغ أون، بأن بلاده مستعدة لتعبئة ردعها النووي في أي مواجهة عسكرية مقبلة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ومتى تجاوز حاجز التهديد إلى «الوعيد» فإن فرضية استخدامه حينئذٍ ستبقى مسألة وقت لا أكثر، بما يعني إفناء كاملا للحياة التي نعيشها اليوم.. وهو ما يعني بداهة أنّ «العالم يتغيّر»..
ولو أحسنّا الظن، وافترضنا تغليب الحكمة في هذا الصراع، فإنّ المحصلة منه ستفرض واقعًا جديدًا، تتغير فيه قواعد اللعبة السياسية، والمنظومات الفكرية المسيّرة لحركة التاريخ الإنساني المعاصر، وزحزحة الافتراضات الأيديولوجية، التي تمحورت حول القطبية الثنائية طيلة العقود الماضية، بما يمكننا أن نشير إلى «موت» المنظومات الأممية المترهلة؛ مثل الأمم المتحدة، وما على شاكلتها، والجنوح نحو تأسيس تشكيلات وتحالفات إقليمية أو أممية خفيفة الحركة، منسجمة الأفكار والتطلعات، بحيث تصبح ذات ثقل وتأثير آني وفوري في مجمل ما يطرأ على الساحة العالمية، وهو ما نشهد مظاهره الأولية في عالم اليوم، وتعدّد أقطابه، وانفتاحها، ورغبتها في استقطاب ما ينسجم مع روح التعاون معها على قاعدة الاستفادة المتبادلة، دون تبعية أو إملاء سياسي.
إن هذا التغيّر الذي نشير إليه لمحًا، بفرضية تغليب صوت الحكمة والعقل، يواجهه أيضًا خطر داهم وخارج عن السيطرة والتقدير، يتمثّل في التغيّر الدراماتيكي في المناخ عالميًا، مفضيًا إلى كوارث لم تشهدها بلدان العالم من قبل، فظاهرة الاحتباس الحراري نقلت الجفاف إلى أوروبا الخضراء، ولم تسلم منه حتى حديقة «الهايد بارك» في لندن، لتبدو قاحلة جرداء، وغارت أنهار، واحترقت محاصيل، وهلكت نفوس من جراء درجات الحرارة المرتفعة، في أرض «تموت من البرد حيتانها»، فإذا كان هذا حال أوروبا، فلك أن تتخيل أي واقع ينتظر أفريقيا والشرق الأوسط بعامة، وكلها محاطة بصحراء قاحلة، ولا تملك من أسباب الخضرة إلا النزر اليسير، هذا واقع جديد، وعنصر خارجي أقوى من قعقعة السلاح، ودوي المدافع، فالخطر ماحق، والمجاعة تلوح في الأفق، وهنا فقط يبرز صوت العقل، والتفكير الإيجابي خارج الصندوق.. وهنا فقط يتوجّب على العالم أن يدير بوصلة اهتمامه إلى ما طرحه ولي عهدنا الأمين محمد بن سلمان في مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، ففي مرآتها فقط يمكن للعالم أن يتغيّر؛ ولكن إلى الأحسن، وهنا يكمن الفرق في عالم اليوم بين من يفكّر بـ«رؤية» بنّاءة، ومن ينذر بعالم يتغيّر وفق سلطان القوّة ومحركات الاستعمار بكل نوازعه.