يقول الأستاذ توفيق السيف، في مقاله المنشور في صحيفة الشرق الأوسط «التخصص أم سلطة التخصص؟» في 29 يونيو 2022، هناك سؤال يتردد، ولا يحظى بالجواب المناسب. (هل يصح لكل شخص أن يناقش في أمور الدين؟ أليس علم الدين مجالاً تخصصياً، مثل الهندسة والطب والأدب والتاريخ؟ هذا سؤال يتردد عادة على ألسنة الدعاة.....).
هناك فرق واضح بين الفتوى الدينية التى تكون لأمر مستجد على الأمة لم يسبق لأحد التعامل معها فيجتمع لها أهل الاختصاص من الفقهاء ممن وهبهم الله فهماً دقيقاً وبصيرة نافذة وقدرة على استنباط الأحكام والإحاطة بطرق القياس ومراتب الأدلة وغيرها.
(فالفتوى) تحتاج إلى مختصين من علماء الدين مثل الطبيب والمهندس يعاينون المسألة ويستخرجون الأدلة للوصول إلى الفتوى الصحيحة وغالباً ما يكون ذلك ضمن المجامع فهي أمر صعب وطريق وعر حتى قيل إذا شغرت البلد من مفتٍ متخصص فلا يحل المقام فيها، فالمفتي في فتواه إنما يوقع عن رب العالمين، يقول سفيان بن عيينة (إن العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم).
وفي المقابل، هناك علم معروف لمسائل متداولة مُورست منذ عهد النبوة طفحت بها كتب الفقه والسيرة بوسع أي شخص أعطاه الله قدرة الاطلاع والبصيرة النافذة الغوص فيها ومعرفة المذاهب وآراء العلماء وتفسيراتهم المختلفة وما وصلهم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أقواله وأفعاله وتقريراته فتأتي في المسألة الواحدة عدة آراء فقهية مختلفة، للمسلم الأخذ بما يناسبه دون إنكار عليه، فإلزام الناس بالرأي الواحد هو من التضييق عليهم.
صدّقنا في زمن مضى (رجالاً) قالوا لنا إن آراءهم المتشددة هي الإسلام الصحيح، وإنهم من يملك الحقيقة لا يخالفهم إلا ضال، حتى حصحص الحق فعرفنا أننا من المضحوك عليهم.
في دراسة للشيخ صالح آل الشيخ أوضح فيها الالتباس الحاصل بين الدعاة والمفتين فقال (ليس لأحد السكوت عن الحق وبيانه باللسان وإن كتمان العلم وتأخير البيان عن وقت الحاجة يعدان سكوتاً عن الحق في وقته. فكل من لديه علم ودراية بأقوال علماء المذاهب في مسألة ما ينقله عنهم بالحجّة والدليل ويبين للناس ما أشكل عليهم حتى يكون للمسألة الواحدة عِدّة آراء. انتهى زمن الرأي الواحد والذي كان يمثل صورة من صور التشدّد الفكري والمغالاة في أمور الدين والتضييق على الناس).
فكل من جنّد نفسه أياً كان موقعه، بحثاً عن الحقيقة مدعمة بالحجة والدليل لزمه أن يبرزها للناس ويفقّههم فيها طبقاً للحديث النبوي: «من علِم علماً وكَتَمه عن الناس أَلْجَمَه اللهُ بلجامٍ من نار».
فالعبرة بالحجة والدليل وليست بشخصية القائل. يقول سيدنا علي (يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال). فالعلم ليس حكراً على من له سمت خاص أو زي مميز أو لحية طويلة أو ثوب قصير، فهذا ليس منهج الإسلام فكل من لديه العلم والفهم والبيان والحُجة والدليل في أي مسألة وجب عليه إظهارها للناس، فالعِبرة بالحُجة والدليل وليس المبالغة في تعظيم الأشخاص والأسماء.
محقق النصوص أحمد شاكر استدرك على الشافعي استشهاده بآية في غير موضع الاستشهاد في قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ) على وجوب إقران الإيمان بالرسول مع الإيمان بالله وهي في غير موضع الاستشهاد، إذ إنها جاءت في مخاطبة النصارى وفي وجوب الإيمان بالرسل أجمعين وأخطأ الشافعي وكتبها في (مخطوطته بالإفراد بقوله فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة)، بقي هذا الخطأ طيلة قرون يمر على العلماء حتى جاء أحمد شاكر وصحح هذا الخطأ، كما استدرك المفكر الإسلامي محمد أسد على البخاري في الحديث الشريف أن العمل بالزراعة يُورث الذل، فالبخاري أخذها بمعنى الخنوع وفسّرها محمد أسد بمعنى الرحمة اعتماداً على قوله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة). ويمر عمر بن الخطاب بحسان وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال عمر مثل هذا الشعر في مسجد رسول الله؟ فقال له حسان كنت أنشد وفيه من هو خير منك يعني رسول الله فسكت عمر.
واستدركت عائشة على كثير من الصحابة ما رووه عن رسول الله. كما رد الليث بن سعد على مالك الكثير من المسائل الفقهية. يقول الشوكاني إن الخبّاز والجزّار وبائع الخضار في بغداد كانوا يتجادلون ويقارع بعضهم الحُجة بالحُجة ويأتي بالدليل في أدقّ مسائل الفقه.
اليوم باب العلم بثورة التكنولوجيا متاح للجميع وباستطاعة أي إنسان أن يطلع في دقائق معدودة على مئات المجلدات الفقهية ويعرف الدليل على المسألة والأقوال المختلفة فيها ويبني رأيه، فلم يعد هناك معنى للحجر على أي رأي أو قول أو حصر العلم الشرعي المعروف على أحد بعينه.
ذاك زمن ولى ونحن الآن في زمن الوسطية والسلام.
هناك فرق واضح بين الفتوى الدينية التى تكون لأمر مستجد على الأمة لم يسبق لأحد التعامل معها فيجتمع لها أهل الاختصاص من الفقهاء ممن وهبهم الله فهماً دقيقاً وبصيرة نافذة وقدرة على استنباط الأحكام والإحاطة بطرق القياس ومراتب الأدلة وغيرها.
(فالفتوى) تحتاج إلى مختصين من علماء الدين مثل الطبيب والمهندس يعاينون المسألة ويستخرجون الأدلة للوصول إلى الفتوى الصحيحة وغالباً ما يكون ذلك ضمن المجامع فهي أمر صعب وطريق وعر حتى قيل إذا شغرت البلد من مفتٍ متخصص فلا يحل المقام فيها، فالمفتي في فتواه إنما يوقع عن رب العالمين، يقول سفيان بن عيينة (إن العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم).
وفي المقابل، هناك علم معروف لمسائل متداولة مُورست منذ عهد النبوة طفحت بها كتب الفقه والسيرة بوسع أي شخص أعطاه الله قدرة الاطلاع والبصيرة النافذة الغوص فيها ومعرفة المذاهب وآراء العلماء وتفسيراتهم المختلفة وما وصلهم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أقواله وأفعاله وتقريراته فتأتي في المسألة الواحدة عدة آراء فقهية مختلفة، للمسلم الأخذ بما يناسبه دون إنكار عليه، فإلزام الناس بالرأي الواحد هو من التضييق عليهم.
صدّقنا في زمن مضى (رجالاً) قالوا لنا إن آراءهم المتشددة هي الإسلام الصحيح، وإنهم من يملك الحقيقة لا يخالفهم إلا ضال، حتى حصحص الحق فعرفنا أننا من المضحوك عليهم.
في دراسة للشيخ صالح آل الشيخ أوضح فيها الالتباس الحاصل بين الدعاة والمفتين فقال (ليس لأحد السكوت عن الحق وبيانه باللسان وإن كتمان العلم وتأخير البيان عن وقت الحاجة يعدان سكوتاً عن الحق في وقته. فكل من لديه علم ودراية بأقوال علماء المذاهب في مسألة ما ينقله عنهم بالحجّة والدليل ويبين للناس ما أشكل عليهم حتى يكون للمسألة الواحدة عِدّة آراء. انتهى زمن الرأي الواحد والذي كان يمثل صورة من صور التشدّد الفكري والمغالاة في أمور الدين والتضييق على الناس).
فكل من جنّد نفسه أياً كان موقعه، بحثاً عن الحقيقة مدعمة بالحجة والدليل لزمه أن يبرزها للناس ويفقّههم فيها طبقاً للحديث النبوي: «من علِم علماً وكَتَمه عن الناس أَلْجَمَه اللهُ بلجامٍ من نار».
فالعبرة بالحجة والدليل وليست بشخصية القائل. يقول سيدنا علي (يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال). فالعلم ليس حكراً على من له سمت خاص أو زي مميز أو لحية طويلة أو ثوب قصير، فهذا ليس منهج الإسلام فكل من لديه العلم والفهم والبيان والحُجة والدليل في أي مسألة وجب عليه إظهارها للناس، فالعِبرة بالحُجة والدليل وليس المبالغة في تعظيم الأشخاص والأسماء.
محقق النصوص أحمد شاكر استدرك على الشافعي استشهاده بآية في غير موضع الاستشهاد في قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ) على وجوب إقران الإيمان بالرسول مع الإيمان بالله وهي في غير موضع الاستشهاد، إذ إنها جاءت في مخاطبة النصارى وفي وجوب الإيمان بالرسل أجمعين وأخطأ الشافعي وكتبها في (مخطوطته بالإفراد بقوله فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة)، بقي هذا الخطأ طيلة قرون يمر على العلماء حتى جاء أحمد شاكر وصحح هذا الخطأ، كما استدرك المفكر الإسلامي محمد أسد على البخاري في الحديث الشريف أن العمل بالزراعة يُورث الذل، فالبخاري أخذها بمعنى الخنوع وفسّرها محمد أسد بمعنى الرحمة اعتماداً على قوله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة). ويمر عمر بن الخطاب بحسان وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال عمر مثل هذا الشعر في مسجد رسول الله؟ فقال له حسان كنت أنشد وفيه من هو خير منك يعني رسول الله فسكت عمر.
واستدركت عائشة على كثير من الصحابة ما رووه عن رسول الله. كما رد الليث بن سعد على مالك الكثير من المسائل الفقهية. يقول الشوكاني إن الخبّاز والجزّار وبائع الخضار في بغداد كانوا يتجادلون ويقارع بعضهم الحُجة بالحُجة ويأتي بالدليل في أدقّ مسائل الفقه.
اليوم باب العلم بثورة التكنولوجيا متاح للجميع وباستطاعة أي إنسان أن يطلع في دقائق معدودة على مئات المجلدات الفقهية ويعرف الدليل على المسألة والأقوال المختلفة فيها ويبني رأيه، فلم يعد هناك معنى للحجر على أي رأي أو قول أو حصر العلم الشرعي المعروف على أحد بعينه.
ذاك زمن ولى ونحن الآن في زمن الوسطية والسلام.