منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا لم يبقَ أحد بالعالم لم يصدر تصريحاً وتحليلاً لأسبابه، لكن أبرز تحليل وتصريح كان لرئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» قبيل اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» لمناقشة التصدي للمخاطر العسكرية التي تهدد أوروبا، حيث قال: «لو كان بوتين امرأة.. فأنا لا أعتقد أنه كان سيشن حرباً مجنونة عنترية-macho والغزو والعنف بالطريقة التي فعلها»، «إذا كانوا يريدون نموذجاً كاملاً للذكورية السامة، فإن هذا النموذج موجود أمامنا في شخصه». وقال إن هذا «يبين أهمية تعليم البنات حول العالم ومشاركة المزيد من النساء في مناصب السلطة». فما مدى صحة تحليله؟ وماذا قصد بقوله إن بوتين لو كان امرأة لما قام بالحرب؟ وما معنى وصفه لدافع الحرب بأنه العنتريات الذكورية؟ في البداية تحليله هو بالفعل أعمق تحليل للأسباب الجذرية الشخصية الحقيقية اللا واعية وراء الحروب، وهي نزعة الذكورية المتطرفة/ السامة للاستعراض بقواها الهادفة لفرض الهيمنة المادية والمعنوية عبر نشر الترهيب بأنماط العدوانية والعنف بأنواعها، وهو ذاته سبب تفاخر الرجال بتعنيف وإهانة وحبس واضطهاد النساء كوسيلة لإخضاعهن لهيمنتهم، واستيعاب دلالة قول جونسون عن سبب الحرب الروسية يظهر أنه من ظلم النساء لأنفسهن والبشرية جمعاء ان يقتصر مجال اهتمامهن بالشأن العام على المطالبة بحقوق المرأة فقط «النسوية»، فالمرأة تمثل تجسداً للقطبية المؤنثة التي تمثل صفات مثل الرحمة والتعاطف والرعاية والحنان والتسامح والدبلوماسية والديمقراطية والحرية والتفاهم والتعاون والمرونة والوعي الجوهري المعمق والروحانية والخيال والإبداع الخلاق، بينما الرجل يمثل تجسداً للقطبية المذكرة التي تمثل صفات مثل السلطوية والهيمنة والتحكم والسيطرة والصراع والمنافسة والعصبية والمادية والحدية والعنف والتفرد والتشدد والتقييد والتصلب/ التحجر والظاهرية الحرفية وتضخم غرور الأنا وما يترتب عليها من بغي وطغيان وعدوان إن لم تتوازن بمشاركة القطبية المؤنثة لتبقى في حدود الاعتدال والتوسط النافع، ويمكن رؤية الفارق في بلدان الشرق والغرب التي تسودها ثقافة القطبية المؤنثة مثل الدول الاسكندنافية بسبب كثافة مشاركة النساء في الشأن العام وليس فقط في مجال السعي لتحصيل حقوق المرأة، وأيضاً راوندا في أفريقيا التي انتقلت من بلد عانى من إحدى أبشع عمليات الإبادة الجماعية والحرب الأهلية تسعينات القرن الماضي إلى أكثر بلدان أفريقيا نهضة وتطوراً ورقياً بسبب أنه بعد الحرب الأهلية نفر الناس من ثقافة العنتريات التي كانت وراء دمارهم فانفتح المجتمع على دخول النساء للسياسة كبديل عن رجال السلطة السياسية والدينية الذين حولوا البلد لمسلخ بشري وجحيم، ومن تبنى هذا التوجه هو أول رئيس لراوندا بعد الإبادة، فصارت راوندا الدولة الأولى عالمياً في تولي المرأة للمناصب العليا والسياسية والقانونية والقضائية بنسبة تصل لأكثر من 61%، والنتيجة كانت توقف الحروب الأهلية والإبادة والمجاعة وكل الظواهر السلبية التي جعلت الناس وقوداً سهلاً للتحريض الغوغائي، وصارت الدولة مكرسة لتوفير الحياة الطيبة للشعب، وقبل الحرب لم يكن للمرأة حتى حق التملك لأملاك شخصية، وهو ذات ما حصل لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان سبباً لانفتاحها على دخول النساء مجال السياسة والشأن العام، ومنذ أن دخلن فيها لم تحصل مجدداً حرب جماعية في أوروبا وتوحدت أوروبا بشكل سلمي بالاتحاد الأوروبي؛ ولذا عندما يضغط الغرب باتجاه المزيد من تمكين النساء بالدول التي تعاني من الحروب والإرهاب وانهيار وفشل الحكومات كما في لبنان وأفغانستان وغيرهما من الدول الإسلامية فهي لا تفعل ذلك كما يزعم أصحاب نظريات المؤامرة لأنهم يتآمرون على فضيلة وعفة المسلمين، إنما لأنهم يريدون إنقاذ المسلمين من نزعات تدمير الذات التي تتولد عن الذكورية السامة أي التطرف بالأنماط الذكورية الذي ينتج عن غياب مشاركة النساء في صنع الثقافة العامة والخطاب والواقع العام، فلا يوجد إنسان ستكون نظرته صحيحة إن كان مفتقراً لعينه الثانية، والرجال أنفسهم يعترفون بذلك؛ ولذا صاروا هم أيضاً من أنصار تبوؤ المرأة مكانتها الطبيعية كشريك للرجل في صنع الواقع العام كما قال جونسون، وإلا ستستمر عنتريات الحروب العبثية العدمية الداخلية والخارجية والإرهاب والعنف والتنافس العدمي على السلطة، وتايوان والصين في طريقهما لتكرار السيناريو الروسي في أوكرانيا مما سيؤدي لكارثة عالمية في أسعار الغذاء وفي توفره، والدافع الحقيقي -كما قال جونسون- هو عنتريات غرور الأنا الذكوري، فهل لو كان زعماء إيران نساء كن سيتخذن ذات الاستراتيجية المدمرة لكامل المنطقة التي يتبناها زعماء إيران الرجال المتطرفون ذكورياً؟ فالحقيقة أن قمع وإلغاء دور النساء في الشأن العام لا يضرهن فحسب، إنما يضر الجميع، فالرجال يعانون كما النساء والأطفال في الدول التي دمرتها عنتريات زعامات الذكورية السامة الإيرانية، وقديماً كان يضرب مثل عن السبب الذي يجعل النساء يملن للسلام بينما الرجال يميلون للحرب، فإنجاب الأبناء بالنسبة للرجال هي لحظة شهوة ومتعة، بينما بالنسبة للنساء هي حوالى ثلاث سنوات من المعاناة الجسدية المريرة التي تصيب الأم بعدد من الأمراض والإصابات التي لا تقل عن إصابات ونزف جندي في معركة تنسج خلالها من لحمها وعظمها ودمها جسداً لهذا الجنين وتنجبه بالدم والدموع ومخاض يجعلها بين الموت والحياة، والسبب الأكبر لموت النساء عالمياً هو الولادة، وبعدها تبقى تطعمه من جسدها لسنتين ثم عمر من الرعاية الحثيثة؛ ولذا هي بطبيعة الحال تقدر قيمة حياة الإنسان أكثر من الرجال، وهناك نظرية نفسية عن نمط لا واعٍ لإشباع غريزة «غرور الأنا» المحبطة عند افتقارها لما تفخر به وتقول النظرية: إن الذي يعجز عن إقامة بناء عظيم تفخر عنترياته به سيقوم بعمل إرهابي أو عمل حربي ضد بناء عظيم لكي تفخر عنترياته بتدمير البناء العظيم، وذكر هذا التفسير في معرض تحليل السبب النفسي لإصرار الجماعات الإرهابية الإسلامية على تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك مرتين، وبالمثل فالنساء فخرهن إقامة بنيان الإنسان أي منحه الحياة بالحمل والولادة، بينما الرجال العاجزون عن ذلك يكون فخرهم هو بقتل الإنسان عبر الإرهاب والحروب والجرائم التي حتى لا يكون هناك أي دافع للقتل الجماعي فيها سوى الرغبة بالقتل كما في جرائم إطلاق الرصاص بالمدارس الأمريكية وبالأماكن العامة بأمريكا لقتل أكبر عدد من الناس دون أي دافع عقائدي أو سياسي أو جنائي، والفاعل دائماً ذكر، ولا توجد حادثة واحدة مماثلة اقترفتها أنثى.