عندما خرج «أبو عدس» في فيلم مصور العام 2005 معلناً مسؤوليته ومسؤولية جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام عن تفجير موكب رفيق الحريري رأس الوزارة اللبنانية وأعلى سلطة تنفيذية فيها، لم يتوقع أحد أن يعيد حزب الله إنتاج نفس السيناريو بعد 17 عاماً مع «علي هاشم» السعودي الهارب إلى أحضان الحزب ويحوله إلى «أبو عدس 2».
حزب الله يؤكد مرة تلو المرة أنه مجرد آلة للقتل، لنتذكر أنه اغتال العديد من السياسيين اللبنانيين على مدى العقود الثلاثة الماضية لتصفية الساحة من أي معارضات أو حتى لمجرد نزق إرهابي للتخلص ممن يجرؤ على التعبير عن رأيه في وجه حزب الكذب والتزوير والموت.
خروج «أبو عدس 1» إثر مقتل الحريري كان تأكيداً على تلاعب إيران وحزب الله وسوريا بالجماعات الإسلاموية السنّية وتشغيلها لصالح الأجندة الطائفية، من القاعدة للجهاد الى فتح الإسلام وداعش، كلها جماعات عنقودية أثارت الخراب والدمار وحوّلت المنطقة إلى اقتتال بين الطوائف والمذاهب، أديرت بأعين ورعاية من أجهزة مخابرات إيران وسوريا وحزب الله، وألصقت التهمة عمداً في «السنّة» ومن ورائهم السعودية، لكن الحقيقة التي لطالما قالتها الرياض أن هذا الملف بكل مآسيه هو مسؤولية إيران ومقاوليها، ولا يمكن تبرئة حلفائها من مسؤولية الدم والدمار والفشل الذي لحق بهذا الشرق طوال عقود، ونعني هنا بالذات الإخوان المسلمين وبعض دول الإقليم من المحسوبين على الدول السنّية.
اليوم يتكرر نفس المشهد مع علي هاشم - أبو عدس 2 - الإرهابي الهارب من السعودية، الذي يدعي المعارضة والتعبير عن الرأي لكنه في حقيقة الأمر يعبّر عن رأي إيران والضاحية وينفذ توجيهاتهم ويحلُم بسيادتهم على بلاده -هكذا هم الخونة دائماً-.
في اغتيال الحريري العام 2005 كان الهدف معاقبته. الحريري الأب كان سياسياً مستقلاً في لبنان، البلد الذي عرف أن معظم من فيه من السياسيين يدورون في أفلاك غيرهم، كما كان رسالة موجهة للسعوديين الذين أغضبت طهران ودمشق مكانتهم الإقليمية والعالمية، مع التذكير بأن عملية اغتيال الحريري كانت جزءاً من مصفوفة إرهاب أغرقت المنطقة من العراق مروراً بنهر البارد في لبنان الى المدن السعودية، أضرمها «حلف الموت» بقيادة طهران.
في لبنان فقط يمكن توقع أي شيء، عادي جداً أن يخرج إرهابي تحت حماية تنظيم يدّعي حماية مصالح اللبنانيين، معلناً نيته مهاجمة السفارة السعودية وقتل كل من فيها والانتقال بعدها لمهاجمة كل المصالح السعودية الأخرى التي سيتمكن من الوصول إليها، دون أن تتحرك الدولة اللبنانية لملاحقة المهدد فضلاً عن استيقافه. ملاحظة لا بد أن تذكر أن مهاجمة السفارات ثقافة إيرانية بحتة انتقلت لعملائهم في الضاحية.
سيظل عار التخاذل عن ملاحقة إرهابي واحد، يعلن بكل وقاحة عن مكانه وعن نياته يلاحق الدولة والأجهزة الأمنية اللبنانية، وهو ما يؤكد أن لبنان ذاهب إلى جحيم اللادولة.
لبنان اليوم دولة مائعة لزجة بلا طعم ولا لون ولا أرضية سياسية يمكن التفاهم معها وهي نتاج الإطاحة بدولة رفيق الحريري بيد «أبو عدس 1».
الإرهابي السعودي هو نفسه الإرهابي الحوثي أو اللبناني لا فرق بينهم، كلهم خارجون من تحت عباءة «السيد» في بيروت، وهم يعلمون يقيناً أنهم بيادق بيد الحزب المسيطر والمتحكم برقبة لبنان، وبالتالي سينفذون إرهابهم دون أن تطالهم العقوبة –الدولية- لا هم ولا حاضنهم في الضاحية.
إعادة المشهد يصاحبه تغيير التكتيك والأهداف، إذ خرج «هاشم» قبل القيام بالعملية عكس سلفه «أبو عدس» في استعراض إيراني يتزامن مع مفاوضاتها مع واشنطن في الملف النووي، وكأن طهران تقول للعالم إما تقبلوني دولة نووية أو عليكم مواجهة دولة إرهابية بكل عين وقحة.