أهلاً بالعالم

لوقت طويل كانت المملكة شبه مغلقة أمام شعوب العالم إلا من يأتي لغرض العمل لدى جهات حكومية وخاصة، أو من يفدون للحج والعمرة وفق شروط مقننة لا تسمح لهم بالتجول خارج نطاق مسارهم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، أما السياحة فقد كانت مصطلحاً غائباً ليس عن الأجانب فقط وإنما حتى في التداول الداخلي بمعناه الحقيقي الواسع الذي يتجاوز مجرد ارتياد أماكن الاصطياف المحدودة.

هذا الانغلاق الطويل صنع حاجزاً ثقافياً بيننا وبين شعوب العالم، وكرس صورة نمطية سلبية خاطئة عن المجتمع السعودي ووطنه بأنه مجتمع انعزالي يعيش في بلد بلا مقومات أو إرث حضاري تأريخي، وقد كرست هذه الصورة الخاطئة فترة طويلة من سطوة فكر التشدد الديني تحت راية الصحوة التي كان من أبرز مضامين خطابها عزلنا عن العالم الموصوم لديها بالخطايا والكراهية لنا والتآمر علينا، ولا بد من حمايتنا من شرور مجتمعاته بتضييق فرص الاختلاط به إلى أقصى حد ممكن.

راح ما راح وأصبحنا نعيش في مرحلة مختلفة تماماً، دخلنا عصر الرؤية الوطنية التي أعادت صياغة كل شيء، وكان من أبرز مستهدفاتها فتح بوابات المملكة للعالم بعد استحداث وزارة للسياحة، واكتشافنا للكنوز السياحية الفريدة التي تزخر بها كل مناطق المملكة، من آثار وطبيعة وثقافات وفنون وتنويعات يندر وجودها في بلد آخر، إضافة إلى فعاليات ترفيهية ورياضية نوعية، وبدأ العالم بالفعل يصوب أنظاره إلينا، وبدأت الأفواج السياحية تتدفق من كل مكان إلينا بعد تنظيم وتسهيل أنظمة التأشيرات المختلفة، ومنها التأشيرات السياحية.

قبل يومين، وفي خطوة ذكية، أعلنت وزارة السياحة إتاحة التأشيرة السياحية للمقيمين في دول الخليج وأيضا الحاصلين على تأشيرة من الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة المتحدة أو إحدى دول اتفاقية شنغن، إضافة إلى السماح للمقيمين بشكل دائم في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. هذه الخطوة ليست إلا تأكيداً على الوعي الكبير بأن لدينا ما يستحق أن يشاهده العالم، وبأننا لم نعد ذلك الوطن وذلك المجتمع الذي ظلمته وجنت عليه وشوهت سمعته عقود من الانغلاق القسري الصحوي.