لقد سعى أهل الغفوة وبعض المتأخرين من فقهاء عصور التخلف إلى تصوير المجتمعات الإسلامية الأولى على أنها مجتمعات تكاد أن تكون ملائكية وليست مجتمعات إنسانية. بخلاف الحقيقة وما كانت عليه حياتهم وبخلاف الحكمة الإلهية التي من وراء خلق الإنسان على الأرض. هذه الحكمة التي لم يعلمها الملائكة بادئ الأمر كما جاء في القرآن الكريم: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ».
فالإنسان خلق في الأرض ليكون إنساناً ويستمتع فيها حسب ما قدّر له، قال تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ»، لكن أهل الغفوة أفسدوا على الناس حياتهم وأنسهم وفرحهم ومتعتهم، بأن صوروا للناس خلاف الحقيقة، وعملوا على تصوير الحياة الاجتماعية في العصور الأولى الإسلامية كأن المجتمع مجتمع ملائكي، وليس مجتمعاً بشريّاً. ولم يكتفوا بذلك بل شيطنوا المخالف وفسّقوه حتى وصلوا لحد استباحة دمه.
يقول الدكتور طه حسين في كتابه حديث الأربعاء: «إذا أردت أن تتخذ من هذا العصر صورة صادقة، تحكم بها عليه حكماً صادقاً؛ فأنت مضطر إلى أن ترجع إلى هؤلاء الشعراء والكتّاب، أكثر من رجوعك إلى هؤلاء الفقهاء والمتكلمين والرواة؛ لأن الشعراء والكتاب يمثلون الجماعة حقّاً». ويذكر لنا المسعودي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، أن يزيد بن معاوية كان «صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود و«المنادمة»... وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب». ومن المشهور أنه لم يعرف عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز شرب الخمر، لكنه كان يوجه بعدم ملاحقة الشاربين.
لقد كانت الحياة الاجتماعية في العصور الأولى في الإسلام حياة طبيعية ينشغل فيها جل ومعظم الناس بشؤون حياتهم ومشاغلهم اليومية ويقضون أوقاتهم ما بين عمل وراحة ويؤدون واجباتهم الاجتماعية والدينية ويستمعون للشعر ويستمتعون بملذات الدنيا من سكن وحرث ومال وبنين وغير ذلك من صنوف العيش.
لقد كانت الدولة الإسلامية الأولى دولة مدنية في تنظيماتها، وعرف عن الدولة الأموية أنها «دولة مدنية بمرجعية إسلامية» متعددة الطوائف والمذاهب والعرقيات، اعتمدت فيها الدولة على التنظيمات السريانية والبيزنطية التي كانت موجودة سابقاً بما فيها الناحيتان الإدارية والعسكريّة، وأول من اعتمد هذه الدواوين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وكانت تكتب بالفارسية والقبطية واليونانية. ذكر الجاحظ أنَّه لما وضع عمر رضي الله عنه الديوان قام إليه أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام رضي الله عنهما فقالا: «يا أمير المؤمنين، أديوانٌ كديوان بني الأصفر، إنَّك إن فعلت ذلك اتَّكل الناس على الديوان وتركوا التجارات والمعاش، فقال عمر: قد كثر الفيء والمسلمون». والواقع أنَّ عمر رضي الله عنه أدرك هذه الظاهرة ولم تغب عن تفكيره وربَّما توقَّع حدوثها في المستقبل، لذلك كان يحثُّ النَّاس على العمل والسعي والاستكثار من الرزق، كما كان شديد الحساسية ضدَّ أولئك الذين يظهرون الإعراض عن الدنيا تعبُّداً وزهداً.
شتان ما كانت عليه حياة الناس في العصور الإسلامية الأولى وبين ما سعى أهل الغفوة إلى تصويره، كل ذلك بهدف التحكم في المجتمع وأن تكون لهم المرجعية الوحيدة. لقد عملوا على التضييق على الناس وهتك أسرارهم ومعاقبة مخالفهم وتحريض الشباب على الفتن والكراهية والموت، بدعوى اتباع السلف الصالح، وتقديس الأشخاص وحرمان الناس من التفكير والتقدير وجعلهم كالقطيع يسوقونهم كيف ما شاءوا وكيف ما أرادوا. أشكر الله وأحمده أن جاء اليوم الذي تسمع فيه الحقيقة. وتفضح فيه ما زيف على البعض.
فالإنسان خلق في الأرض ليكون إنساناً ويستمتع فيها حسب ما قدّر له، قال تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ»، لكن أهل الغفوة أفسدوا على الناس حياتهم وأنسهم وفرحهم ومتعتهم، بأن صوروا للناس خلاف الحقيقة، وعملوا على تصوير الحياة الاجتماعية في العصور الأولى الإسلامية كأن المجتمع مجتمع ملائكي، وليس مجتمعاً بشريّاً. ولم يكتفوا بذلك بل شيطنوا المخالف وفسّقوه حتى وصلوا لحد استباحة دمه.
يقول الدكتور طه حسين في كتابه حديث الأربعاء: «إذا أردت أن تتخذ من هذا العصر صورة صادقة، تحكم بها عليه حكماً صادقاً؛ فأنت مضطر إلى أن ترجع إلى هؤلاء الشعراء والكتّاب، أكثر من رجوعك إلى هؤلاء الفقهاء والمتكلمين والرواة؛ لأن الشعراء والكتاب يمثلون الجماعة حقّاً». ويذكر لنا المسعودي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، أن يزيد بن معاوية كان «صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود و«المنادمة»... وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب». ومن المشهور أنه لم يعرف عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز شرب الخمر، لكنه كان يوجه بعدم ملاحقة الشاربين.
لقد كانت الحياة الاجتماعية في العصور الأولى في الإسلام حياة طبيعية ينشغل فيها جل ومعظم الناس بشؤون حياتهم ومشاغلهم اليومية ويقضون أوقاتهم ما بين عمل وراحة ويؤدون واجباتهم الاجتماعية والدينية ويستمعون للشعر ويستمتعون بملذات الدنيا من سكن وحرث ومال وبنين وغير ذلك من صنوف العيش.
لقد كانت الدولة الإسلامية الأولى دولة مدنية في تنظيماتها، وعرف عن الدولة الأموية أنها «دولة مدنية بمرجعية إسلامية» متعددة الطوائف والمذاهب والعرقيات، اعتمدت فيها الدولة على التنظيمات السريانية والبيزنطية التي كانت موجودة سابقاً بما فيها الناحيتان الإدارية والعسكريّة، وأول من اعتمد هذه الدواوين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وكانت تكتب بالفارسية والقبطية واليونانية. ذكر الجاحظ أنَّه لما وضع عمر رضي الله عنه الديوان قام إليه أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام رضي الله عنهما فقالا: «يا أمير المؤمنين، أديوانٌ كديوان بني الأصفر، إنَّك إن فعلت ذلك اتَّكل الناس على الديوان وتركوا التجارات والمعاش، فقال عمر: قد كثر الفيء والمسلمون». والواقع أنَّ عمر رضي الله عنه أدرك هذه الظاهرة ولم تغب عن تفكيره وربَّما توقَّع حدوثها في المستقبل، لذلك كان يحثُّ النَّاس على العمل والسعي والاستكثار من الرزق، كما كان شديد الحساسية ضدَّ أولئك الذين يظهرون الإعراض عن الدنيا تعبُّداً وزهداً.
شتان ما كانت عليه حياة الناس في العصور الإسلامية الأولى وبين ما سعى أهل الغفوة إلى تصويره، كل ذلك بهدف التحكم في المجتمع وأن تكون لهم المرجعية الوحيدة. لقد عملوا على التضييق على الناس وهتك أسرارهم ومعاقبة مخالفهم وتحريض الشباب على الفتن والكراهية والموت، بدعوى اتباع السلف الصالح، وتقديس الأشخاص وحرمان الناس من التفكير والتقدير وجعلهم كالقطيع يسوقونهم كيف ما شاءوا وكيف ما أرادوا. أشكر الله وأحمده أن جاء اليوم الذي تسمع فيه الحقيقة. وتفضح فيه ما زيف على البعض.