-A +A
حسين شبكشي
منذ نشأة الأديان بشكل عام وهي تحاول أن تجيب على السؤال الذي حيّر البشر منذ اللحظات الأولى وهو إيجاد تفسير وإجابة عن السؤال الكبير المحيّر: ما هو سر الموت؟ وكل الأديان قدّمت تفسيرها لهذا السؤال العظيم وتقديم فكرة متكاملة عما يحدث للروح بعد مغادرتها للجسد، وبالتالي مفارقتها لهذه الدنيا. وطبعا كل هذه التفاسير لا تمنع من وجود الألم الهائل الذي يحدثه فراق الأحبة وغيابهم عن دنيانا، وهو ألم لا يضاهيه ألم آخر أو شبيه به.

الحزن هو الثمن الذي ندفعه حينما نودّع من نحب عن دنيانا وهو تعبير قوي وشديد بجانبيه العضوي والمعنوي العاطفي، ويظهر بشكل آلام في الجسد، وشعور عميق جدا بالحزن، وشوق جارف ورغبة هائلة للتقابل مع من فارقنا عن دنيانا.


ومع سنّة الحياة والتي يشكّل الموت فيها ركنا محوريا ومؤثرا للغاية فيها تكون تجربة الفراق مستمرة ويزداد أثرها كلما اقتربت من الدوائر الضيقة المحيطة بنا والتي تشمل الأقرباء والأصدقاء والمعارف والأحباب.

والفراق يبقى كالجرح الحي حتى وإن يبدو أنه خمل وهدأ ولكن سرعان ما تحرّكه الذكرى وتوقظه الخواطر. يصف عالم النفس الأمريكي الشهير كين ويلبر ألم الفراق بأنه الأصعب والأقسى على النفس البشرية، فهي معلقة بمن رحلوا ولا يمكن اللقاء بهم مجددا في هذه الدنيا.

الفراق في أفضل وصف دقيق له هو القاتل الصامت والقاهر الميت والجرح الذي لا يبرأ.

والصبر يبقى العلاج الوحيد لهذا الألم الكبير بالرغم من لحظات الضعف الكثيرة والمتوقعة والمتكررة التي تظل تلاحق الناس من حين إلى آخر، فالنفس البشرية هي في واقع الأمر هشّة وضعيفة وقابلة للانكسار.

دوائر الفراق في ازدياد مع مسيرة العمر وسنّة الحياة الأزلية، ويبقى التحدي الأكبر مستمرا في التعامل مع آلام الفراق وتداعياته. من إشغال النفس بأمور أخرى والانغماس في العمل والرياضة والعمل، مع ضرورة إبقاء لحظات الضعف والشوق في إطارها حتى لا تطغى علينا وتطغى وتسيطر بشكل كلي على عقولنا، وعندما تشعر بالضعف ويسيطر عليك الإحساس بالهوان الشديد حاول وبقوة أن تضع الآية الكريمة التالية نصب عينيك ومتأملا في معناها المهم (واصبر وما صبرك إلا بالله) دعها تسكن قلبك وتملأ فؤادك وتسقيه بماء الصبر والاحتساب واليقين، واعلم أن عوض الله عظيم بلقاء مع من فارقونا من الأهل والأحبة في جنات النعيم ونعم الجزاء هو. رحم الله من فارقونا من الأهل والأحباب وألهمنا الصبر والقوة على ألم الفراق.