-A +A
بشرى فيصل السباعي
من إحدى أعظم النعم التي يحظى بها الإنسان المعاصر، نعمة أنه يمكنه أن يجد دراسات علمية على كل صغيرة وكبيرة في الحياة، مهما بدت من المسلمات التي لا غامض فيها، ولذا التحلي بإحدى أعظم الفضائل الفكرية يتطلب أن لا يبدي أي إنسان رأيه في أي موضوع قبل أن يطالع الدراسات العلمية المعتمدة عن الموضوع، ولذا عندما نرى طوفاناً من الملاحظات والشكاوى على أنظمة وخطط التعليم، بخاصة في ما يتعلق بمددها الزمنية سواء لجهة عدد الفصول أو الإجازات المطولة أو عدد ساعات اليوم الدراسي، سواء من قبل العاملين بالمجال التعليمي أو من قبل الطلاب وأولياء الأمور سواء عبر مواقع التواصل أو الإعلام والصحافة، فردة الفعل المتبعة للمنهجية العلمية عند إرادة إبداء الرأي في الموضوع يجب أن تكون البحث عن الدراسات العلمية عنه، وبمراجعة قسم «البحوث والدراسات التربوية» في موقع وزارة التعليم السعودية وأيضاً البحث عن الدراسات عبر منشورات وزارة التعليم عبر الصحافة والإعلام وتصريحات المتحدثين الرسميين سواء في الصحافة أو البرامج لا يبدو أن هناك ذكراً لدراسات على أكثر المسائل إثارة للجدل حالياً والتي هي محل شكاوى عامة أي المدد الزمنية للخطط الدراسية، ومجرد ذكر المبررات والأهداف والغايات المبتغاة من ورائها لا يغني عن قياس ورصد الآثار الواقعية لها عبر الدراسات الميدانية والإحصائية، ولو كانت هناك دراسات بهذا الصدد لكان كافياً فقط نشر خبر عنها في الصحافة والإعلام ولن تكون هناك حاجة لأن يتجادل المتحدثون الرسميون مع الضيوف والمقدمين في البرامج حول الموضوع؛ لأنه متى حضرت الدراسات الأكاديمية لم يعد هناك مجال للآراء الشخصية والمعممة والنظرية، وتلك الدراسات يجب أن لا تقيس وتقارن فقط مستوى الأداء العام الأكاديمي للطلاب إنما أيضاً التأثير على جودة حياتهم وحالتهم النفسية والعائلية، ففي الشرق يعتبر التأثير السلبي لأنماط الواقع الدراسي هو السبب الرئيسي لانتحار الطلاب، لأن كامل ماهية وأهمية الإنسان الفرد وبالتالي فرصه العملية والاجتماعية تكون متوقفة على تحصيله للشهادات الأكاديمية وأحياناً تكون ضغوط نظام الدراسة ومتطلباته أكبر من طاقة البعض على الاحتمال، أو أنها تسوغ لهم اللجوء لإدمان المخدرات والمسكنات والمهدئات كوسيلة للتكيف مع الضغوط الدراسية التي تفوق طاقتهم على الاحتمال، بالإضافة للأمراض النفسية والنفسجسدية التي لها عواقب سلبية على مستوى الإنجاز في كل المجالات كالاكتئاب وأذية النفس والاحتراق النفسي والتوتر المفرط المزمن الذي يؤدي لتطور أمراض عضوية مثل السكري وأمراض القلب والشرايين وضعف المناعة، ولذا بسبب جدية وحدية عواقب هذا الأمر على الأجيال الناشئة يجب إجراء مثل هذه الدراسات القياسية ونشر نتائجها وإشارة المتحدثين الرسميين إليها عند ردهم على الملاحظات والمناشدات الموجهة من أولياء الأمور ومن الطلاب ومن العاملين بالمجال التعليمي، وطالما أنهم لا يردون بذكر نتائج تلك الدراسات الميدانية والإحصائية في مقابلاتهم وتصريحاتهم فهي لا تحسم الجدل حول هذا الأمر، وحتى مجرد وجود دراسات حصلت في بلدان أخرى لا يغني عن الحاجة لعمل دراسات محلية؛ لأن هناك اختلافات وعوامل موضوعية في واقع الطلاب والعملية التعليمية بين البلدان تجعل من غير الصائب تعميم نتائج الآخرين واعتبارها تمثل الواقع المحلي تماماً كالتشخيص الطبي، وعلى سبيل المثال لا يصح تعميم نتائج بلد أقصى درجة حرارة تسجل في صيفه هي في حدود ثلاثين درجة على بلد درجة حرارة صيفه تصل إلى حوالى ستين درجة، وفوق ذلك قد يكون الطلاب أيضاً صائمين طوال اليوم ونمط الحياة أثناء شهر الصيام يؤدي لخلل جذري في نظام النوم يؤثر على أداء الطلاب، وهناك قاعدة عامة بأن أداء الإنسان يصبح أفضل عندما يكون مقتنعاً بأن ما يحصل مثبت علمياً إنه الأفضل لجعله يحقق أفضل النتائج، حتى في مجال العلاج الطبي، ولذا من الضروري باستمرار رصد تأثير المتغيرات في العملية التعليمية على واقع متلقي الخدمة أي الطلاب سواء قصير أو طويل الأمد ونشرها ليقتنع الطلاب أن الأنظمة والقرارات هي الأفضل بالنسبة لهم لجعلهم يحققون أفضل النتائج، وأيضاً من الضروري رصد تأثير المتغيرات المختلفة في الأنظمة التعليمية وخططها على أداء مقدمي الخدمة التعليمية أي المعلمين، لأن أداء الطلاب يتأثر بشكل جذري بأداء المعلمين، لذا إن كانت المستجدات في الأنظمة التعليمة تؤثر سلباً على أداء المعلمين فهي تلقائياً ستؤثر سلباً على أداء الطلاب، ثم هناك دراسات لدى البلدان الأخرى سيكون مفيداً الاستفادة منها مثل تلك التي تخص النظام التعليمي في فنلندا الذي يصنف على أنه الأفضل عالمياً والتي وجدت أن جعل اليوم الدراسي لطلاب الابتدائية أربع ساعات فقط وبدون واجبات منزلية حقق نتائج أفضل من نظام الدراسة لساعات أطول والذي يرهق الأطفال وأهاليهم بالواجبات المنزلية ويحرمهم من إشباع فطرة الطفولة بالرغبة في اللهو واللعب والاسترخاء مع العائلة والهامة لنمو وتطور الدماغ بشكل صحي، فـ«الكم» ليس هو العامل المؤثر إيجابياً على نتائج العملية التعليمية إنما «النوع».