من أبرز خطوات «تصعيد» الحرب الروسية على أوكرانيا ما اتخذه الرئيس الروسي مؤخراً من إجراءات جديدة مضادة لانخراط الغرب (ناتو) غير المباشر في هذه الحرب إلى جانب أوكرانيا، هي إعلان التعبئة الجزئية للقوات المسلحة الروسية؛ وعقد «استفتاءات شعبية» في كل من: لوغانسك، دونيتسك، زابوروجيا، خيرسون، لمعرفة ما إذا كانت غالبية سكان هذه المناطق الواقعة جنوب شرق أوكرانيا المتاخمة لروسيا -وغالبيتهم من أصول روسية- يرغبون في الانضمام رسمياً إلى «الاتحاد الفيدرالي الروسي»، تماماً كما حصل من سكان شبه جزيرة القرم، عام 2014م. وبالطبع، كان الغرب وزعيمته أمريكا، هو الطرف الذي كان وما زال يدفع لهذا التصعيد الخطير على أمل استنزاف روسيا، وتوريطها في «أفغانستان أوروبية». ويأمل المراقبون ألا تستحدث ضغوطاً غربية جديدة، في اتجاه مزيد من التصعيد، الذي قد يصل إلى درجة حدوث ما لا تحمد عقباه، بالنسبة لأوروبا، ولبقية العالم، وهو اندلاع اشتباك نووي مباشر بين روسيا من جهة، وحلف ناتو من الجهة الأخرى.
فبتاريخ 21/9/2022م، أعلن الرئيس بوتن التعبئة الجزئية لقوات الاحتياط بالجيش الروسي؛ وهذه التعبئة تعني: استدعاء مجموعة من الشباب للخدمة العسكرية، تشمل 300 ألف فرد من قوات الاحتياط، البالغ عددها في روسيا 2 مليون مجند، وهذه أول تعبئة عسكرية روسية من نوعها، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأصدر مجلسا النواب والشيوخ الروسيان (الدوما) قرارات منظمة لهذه التعبئة؛ منها معاقبة المتهرب من الخدمة العسكرية المطلوبة بالسجن مدة تصل إلى 15 سنة. وتزامن هذا الإعلان مع ما شهدته المناطق الأربع المذكورة من استفتاءات، للانضمام فعلياً الى روسيا. وقال متحدث رسمي روسي إن قرار التعبئة اتخذ لحماية مواطني روسيا الحاليين، والمستقبليين، خاصة خلال عملية الاستفتاءات.
وقد بدأت هذه الاستفتاءات، التي صدرت نتائجها لصالح روسيا، في المناطق الأربع، يوم الجمعة 23/9/2022م. علماً أن لوغانسك، ودونيتسك مواليتان تماماً لروسيا، وترغبان، منذ سنوات، في الانضمام لروسيا، التي اعترفت بهما جمهوريتين مستقلتين، حتى قبل غزوها لأوكرانيا، يوم 4/2/2022م. ولم يعترف أحد بهذه الاستفتاءات، واعتبرها الغرب وأوكرانيا «صورية». وهي تشبه الاستفتاء الذي أجرى عام 2014م، وانضمت على أثره شبه جزيرة القرم لروسيا، التي صرح وزير خارجيتها بالقول: إن هذه الاستفتاءات هي فرصة لسكان هذه المناطق الأربع لممارسة حقها في تقرير مصيرها. ولكن المراقبين يعتبرون هذين الإجراءين الأخطر، منذ بدء الاجتياح الروسي.
****
معروف، أن روسيا اضطرت لغزو أوكرانيا لدفع خطر فادح محتمل على أمنها القومي، ووحدة أراضيها، وسيادتها. خطر كان سيأتي حتماً من أوكرانيا خاصة، إن هي انضمت لحلف ناتو، المعادي جدّاً لروسيا، واستمرت في استفزاز الروس. وذلك تحسب مشروع، ومبرر، رغم «قسوة» رد الفعل الروسي، الذي تمثل في التنكيل بأوكرانيا، إنساناً وأرضاً. فمن الناحية القانونية، ترتكب روسيا، بحربها هذه، مخالفة فظيعة للقانون الدولي. ويبدو أن روسيا في سبيل تحقيق أغلب أهدافها من هذه الحرب، ما لم يحصل الاصطدام الكبير بينها وبين الغرب. وغالباً ما سيتأكد موقع روسيا، كقطب جديد- قديم، إن هي انتصرت.
وقد كانت روسيا، وما زالت، هي الهاجس الأمني – السياسي الأكبر لأعضاء حلف ناتو، رغم كونها -بالدرجة الأولى- دولة أوروبية كبرى، إلا أن هناك عداءً أوروبياً تاريخياً تقليدياً لها. فعلى مدار التاريخ الحديث والمعاصر، كانت هناك صراعات وحروب بين روسيا والدول الأوروبية الكبرى. وكذلك اجتياحات عسكرية روسية لبعض بلدان أوروبا المجاورة لروسيا، خاصة خلال فترة سيادة القيصرية الروسية. كما أن كون غالبية الروس تعتنق المذهب المسيحي الأرثوذكسي جعل لروسيا تقاليد وحضارة مختلفة عن غالبية دول أوروبا وغالبيتها البروتستانتية. وساهم قيام «الشيوعية» فيها، في الفترة 1917 ـ 1991م، وهيمنتها على أوروبا الشرقية، في جعل روسيا في خصام مع «الديمقراطيات» الغربية، ورثته روسيا، رغم تخليها عن التوجه الشيوعي الماركسي، وتحولها لدولة وطنية ليبرالية.
وبعد انهيار حلف وارسو، وزوال الاتحاد السوفييتي، يقال إن روسيا طلبت تصفية حلف «ناتو»، أو ضمها إليه. ولكن طلبها رفض بشدة. كان الغرب -وما زال- يصر على بقاء الحلف، بل وتطويره وتوسعه. وهذا هو واقع الحال. وكان لا بد من وجود «عدو»، أو أعداء، لتبرير استمرار الحلف. فاستحدث «الإسلام المتطرف»، ثم روسيا، ثم الصين.. التي يرى فيها الغرب الآن الخصم، والعدو، الأول.
حذرت روسيا مراراً من توسع حلف «ناتو» شرقاً تجاه حدودها الغربية، فوعد الحلف -أثناء مفاوضات توحيد ألمانيا خاصة- بعدم التوسع شرقاً، «ولا بوصة واحدة». ولكنه نكث بهذا الوعد، واستغل ضعف روسيا، في المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي، فتوسع شرقاً لآلاف الكيلومترات. وها هو يمعن في هذا التوسع، ويضم فنلندا والسويد، ويصر على ضم أوكرانيا. إن الغرب يناوئ روسيا لأسباب أيديولوجية وتاريخية، ومصلحية متعددة، وقد اعتبر روسيا مؤخراً، ورسمياً، من أكبر وأخطر ما يهدد الأمن القومي الغربي. وهذا الغرب، وزعيمته أمريكا، يرفض تطورات النظام العالمي الأخيرة، وميل هذا النظام، بقوة، لكي يصبح نظام الأقطاب المتعددة. ويصر على إبقاء النظام العالمي أحادي القطبية، رغم تصاعد قوة ونفوذ كل من الصين وروسيا. ولكن نظام الأقطاب المتعددة قد فرض نفسه، بصرف النظر عمن شاء، ومن لم يشأ.
وقد نتج عن هذا العداء الغربي المحكم لروسيا، قيام حملة إعلامية - نفسية غربية ضد روسيا، هدفها «شيطنة» روسيا، والتخويف منها، وتضخيم سلبياتها، وتشويه مواقفها، لتسهيل محاولات إضعافها. الأمر الذي يعني خلق تيار عدائي ضد الروس عامة، بدئ بالإشارة إليه بظاهرة الـ«روسيافوبيا». وسنتحدث عن هذه الظاهرة، المشابهة لظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي اكتوى بها كثير من المسلمين في العالم، في مقالنا القادم.
فبتاريخ 21/9/2022م، أعلن الرئيس بوتن التعبئة الجزئية لقوات الاحتياط بالجيش الروسي؛ وهذه التعبئة تعني: استدعاء مجموعة من الشباب للخدمة العسكرية، تشمل 300 ألف فرد من قوات الاحتياط، البالغ عددها في روسيا 2 مليون مجند، وهذه أول تعبئة عسكرية روسية من نوعها، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأصدر مجلسا النواب والشيوخ الروسيان (الدوما) قرارات منظمة لهذه التعبئة؛ منها معاقبة المتهرب من الخدمة العسكرية المطلوبة بالسجن مدة تصل إلى 15 سنة. وتزامن هذا الإعلان مع ما شهدته المناطق الأربع المذكورة من استفتاءات، للانضمام فعلياً الى روسيا. وقال متحدث رسمي روسي إن قرار التعبئة اتخذ لحماية مواطني روسيا الحاليين، والمستقبليين، خاصة خلال عملية الاستفتاءات.
وقد بدأت هذه الاستفتاءات، التي صدرت نتائجها لصالح روسيا، في المناطق الأربع، يوم الجمعة 23/9/2022م. علماً أن لوغانسك، ودونيتسك مواليتان تماماً لروسيا، وترغبان، منذ سنوات، في الانضمام لروسيا، التي اعترفت بهما جمهوريتين مستقلتين، حتى قبل غزوها لأوكرانيا، يوم 4/2/2022م. ولم يعترف أحد بهذه الاستفتاءات، واعتبرها الغرب وأوكرانيا «صورية». وهي تشبه الاستفتاء الذي أجرى عام 2014م، وانضمت على أثره شبه جزيرة القرم لروسيا، التي صرح وزير خارجيتها بالقول: إن هذه الاستفتاءات هي فرصة لسكان هذه المناطق الأربع لممارسة حقها في تقرير مصيرها. ولكن المراقبين يعتبرون هذين الإجراءين الأخطر، منذ بدء الاجتياح الروسي.
****
معروف، أن روسيا اضطرت لغزو أوكرانيا لدفع خطر فادح محتمل على أمنها القومي، ووحدة أراضيها، وسيادتها. خطر كان سيأتي حتماً من أوكرانيا خاصة، إن هي انضمت لحلف ناتو، المعادي جدّاً لروسيا، واستمرت في استفزاز الروس. وذلك تحسب مشروع، ومبرر، رغم «قسوة» رد الفعل الروسي، الذي تمثل في التنكيل بأوكرانيا، إنساناً وأرضاً. فمن الناحية القانونية، ترتكب روسيا، بحربها هذه، مخالفة فظيعة للقانون الدولي. ويبدو أن روسيا في سبيل تحقيق أغلب أهدافها من هذه الحرب، ما لم يحصل الاصطدام الكبير بينها وبين الغرب. وغالباً ما سيتأكد موقع روسيا، كقطب جديد- قديم، إن هي انتصرت.
وقد كانت روسيا، وما زالت، هي الهاجس الأمني – السياسي الأكبر لأعضاء حلف ناتو، رغم كونها -بالدرجة الأولى- دولة أوروبية كبرى، إلا أن هناك عداءً أوروبياً تاريخياً تقليدياً لها. فعلى مدار التاريخ الحديث والمعاصر، كانت هناك صراعات وحروب بين روسيا والدول الأوروبية الكبرى. وكذلك اجتياحات عسكرية روسية لبعض بلدان أوروبا المجاورة لروسيا، خاصة خلال فترة سيادة القيصرية الروسية. كما أن كون غالبية الروس تعتنق المذهب المسيحي الأرثوذكسي جعل لروسيا تقاليد وحضارة مختلفة عن غالبية دول أوروبا وغالبيتها البروتستانتية. وساهم قيام «الشيوعية» فيها، في الفترة 1917 ـ 1991م، وهيمنتها على أوروبا الشرقية، في جعل روسيا في خصام مع «الديمقراطيات» الغربية، ورثته روسيا، رغم تخليها عن التوجه الشيوعي الماركسي، وتحولها لدولة وطنية ليبرالية.
وبعد انهيار حلف وارسو، وزوال الاتحاد السوفييتي، يقال إن روسيا طلبت تصفية حلف «ناتو»، أو ضمها إليه. ولكن طلبها رفض بشدة. كان الغرب -وما زال- يصر على بقاء الحلف، بل وتطويره وتوسعه. وهذا هو واقع الحال. وكان لا بد من وجود «عدو»، أو أعداء، لتبرير استمرار الحلف. فاستحدث «الإسلام المتطرف»، ثم روسيا، ثم الصين.. التي يرى فيها الغرب الآن الخصم، والعدو، الأول.
حذرت روسيا مراراً من توسع حلف «ناتو» شرقاً تجاه حدودها الغربية، فوعد الحلف -أثناء مفاوضات توحيد ألمانيا خاصة- بعدم التوسع شرقاً، «ولا بوصة واحدة». ولكنه نكث بهذا الوعد، واستغل ضعف روسيا، في المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي، فتوسع شرقاً لآلاف الكيلومترات. وها هو يمعن في هذا التوسع، ويضم فنلندا والسويد، ويصر على ضم أوكرانيا. إن الغرب يناوئ روسيا لأسباب أيديولوجية وتاريخية، ومصلحية متعددة، وقد اعتبر روسيا مؤخراً، ورسمياً، من أكبر وأخطر ما يهدد الأمن القومي الغربي. وهذا الغرب، وزعيمته أمريكا، يرفض تطورات النظام العالمي الأخيرة، وميل هذا النظام، بقوة، لكي يصبح نظام الأقطاب المتعددة. ويصر على إبقاء النظام العالمي أحادي القطبية، رغم تصاعد قوة ونفوذ كل من الصين وروسيا. ولكن نظام الأقطاب المتعددة قد فرض نفسه، بصرف النظر عمن شاء، ومن لم يشأ.
وقد نتج عن هذا العداء الغربي المحكم لروسيا، قيام حملة إعلامية - نفسية غربية ضد روسيا، هدفها «شيطنة» روسيا، والتخويف منها، وتضخيم سلبياتها، وتشويه مواقفها، لتسهيل محاولات إضعافها. الأمر الذي يعني خلق تيار عدائي ضد الروس عامة، بدئ بالإشارة إليه بظاهرة الـ«روسيافوبيا». وسنتحدث عن هذه الظاهرة، المشابهة لظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي اكتوى بها كثير من المسلمين في العالم، في مقالنا القادم.