-A +A
نجيب يماني
كانت بصيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك من العام 1438هـ الموافق لليوم الحادي والعشرين من شهر يونيو 2017م، ترمي إلى أفق بعيد ومتراحب، بإعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، فراسة قائد فذ، ورجل دولة حكيم، يعرف رجاله كل المعرفة، ويقرأ التاريخ والواقع قراءة حصيف مدرك، فيأتي اختياره عن رشد وحكمة، وبصيرة نافذة تخترق حجب الزمان بوعي باصر وإدراك لبيب..

وها نحن اليوم، وبعد خمس سنوات، وأربعة أشهر، وستة أيام؛ نقف على صدق تلك الفراسة والبصيرة الوقّادة، ونتبين رشد ذلك الاختيار الموفق، بقرار ملكي آخر قضى بتكليف ولي العهد ليكون رئيسًا لمجلس الوزراء.. قرار جاء طالع سعده مترافقًا مع مشرق غرة ربيع الأول 1444هـ شهر الخير والمحبة والنور.


ومتوافقًا مع الإنجازات الباهرة التي حققّها ولي العهد محمد الخير طوال السنوات الماضية، على كافة الأصعدة فكان تسنمه لرئاسة مجلس الوزراء قرار تأكيد لعظمة ما أنجز حاضرًا، وبشارة توفيق لملحمة اختياره وليًا للعهد، ووقود منطلق لـ«رؤية» المستقبل..

نعم؛ كانت فراسة خادم الحرمين الشريفين، ترمي إلى أفق بعيد، حين اختار الأمير محمد وليًا للعهد، ليفك عن المملكة قيودًا كبّلتها، وينطلق بها متوثبًا على مدارج رؤيتها الباذخة التي أعلنها سموه، مفجّرًا بها طاقات معطّلة، ومستنهضًا بها هممًا متحفّزة، ومستشرفًا بها مستقبلاً وضيئًا لمملكة الخير..

ليعيد كلٌّ منّا في خاطره لمحًا وخطفًا منجزات السنوات الخمس الماضية، ليرى المملكة في مرآة «الرؤية»؛ بهية ألقة، متوثبة فتية، كما لو أنها نهضت من سبات، فنضّت عنها ثوب الوسن والوهن، لتسري في مفاصل حياتها روح جديدة، وتحمل لواء التطلّع بكل ثقة واقتدار، لتخرج من قمقم الصورة النمطية في كل تفاصيلها، فما عادت المملكة مع «الرؤية» حضينة فكر «الصحوة» المأفون والمتكلّس، لقد كانت تلك عقبة كأداء، أقعدت بها ردحًا من الزمن، فأعشت رؤيتها، وعطلت مسيرتها، وجعلتها أسيرة ثقافة الموت، وقصت أجنحة تحليقها، وعادت بها إلى كهوف الظلام، ونعيق الغربان.. أيّام كوالح، أجلتها بشارة «الرؤية»، وعزم «محمد»، فألقمها حجرًا، ووضعها حيث يجب أن تكون في أضابير النسيان، لتتحرّر المملكة من قيدها، ويتفجّر عزم بنيها وبناتها عملاً دؤوبًا، ونشاطًا لا يفتر، واستقبالاً للحياة بفرح وأمل مستحق ومنشود.. وتعرف المرأة السعودية قيمتها، وتقف ندًّا للرجل، مشاركة بجهدها، ومعينة بفكرها، وواثقة من خطوها بلا حجر أو تضييق، ولا عقد أو تضليل.. كانت تلك أوّل بشارات الخير، التي برقت في مرآة «الرؤية»، وانسربت من ثمَّ البشارات الوضيئات؛ فها هي المملكة تخرج وتتحرّر من إسار الارتهان للنفط، بوصفه المدخل الاقتصادي الأوحد لخزينتها، فظلت رهينة لتقلبات سوقه المتأرجح، لتبدّل «الرؤية» هذا الواقع، وتفتح براحات الاستثمار، وتوطّن الصناعات مستثمرة مدخراتها من الثروات والخامات التي تذخر بها أرضها، وتستقطب الشركات العالمية الكبرى للاستثمار، وتعمد إلى إعادة صياغة مناهجها الدراسية حتى توافي متطلبات المرحلة الجديدة، بما حرّر العملية التعليمية من قبضة التلقين والحفظ المعطّل للتفكير والفكر النّاقد الحصيف، ويصبح تعليمًا نوعيًا، معينًا لسوق العمل، ومضيفًا لبعد «الرؤية» في تشوّفه لمستقبل صناعي باهر للمملكة بأيدي بنيها..

إن المملكة اليوم، وفق رؤية «محمد الخير»، باتت رقمًا عصيّا على التجاوز والتخطّي في كافة المعادلات العالمية؛ اقتصاديًا وسياسيًا، واجتماعيًا، ريادة أكدتها وعمّقتها فترة رئاستها لمجموعة العشرين، وقد تسنمتها في أوج الجائحة، فضربت المثل في كيفية إدارة الأزمات بكل اقتدار، لتغدو تجربتها أيقونة تحتذى، قيمة تراعى في مثل هذه المواقف، فما قصُر جهدها في تجاوز «الجائحة» على المستوى الداخلي وحسب، بل كانت المملكة من أوائل المبادرين بغوث العالم أجمع، والمبادئة باتخاذ كافة الاحترازات بشكل احترافي صار مضرب مثل ومحل افتخار وإشادة.. مرتفقًا ذلك مع نمو اقتصادي؛ خلافًا لما شهده العالم من ضمور واختلال في منظومته الاقتصادية.. وتلك ملحمة تجلّت فيها براعة ولي العهد، ونفاذ بصيرة رؤيته الوضيئة..

إن من المستحيل على مقال كهذا أن يحصي المنجزات التي حققتها المملكة في ظل «الرؤية»، ومنذ أن تسلّم الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ولاية العهد، فتلك سيرة ستظل كراسات التاريخ حفيّة بها، قمينة بأن تمحضها الاهتمام الكافي لتستقرئ منها الدروس والعبر.. إنها سيرة تكشف عن نفاذ بصيرة «الأب»، وتجلّي عبقرية «الابن»، وها هي اليوم تمضي إلى فصل جديد بتكليف ولي العهد برئاسة مجلس الوزراء..؛ تكليف يعضده المنطق المتسق مع الإنجاز الملموس، ويؤيده واقع حالٍ رسمته «الرؤية»، فلا أقل من أن يتسنم مفجّرها المقود ليمضي بها إلى الغايات المنشودة، والآفاق المتراحبة، والبشارات البوارق.. فما أسعد الوطن ببصيرة «سلمان» وفراسته، و«محمد» ورؤيته وتوثّبه وانطلاقه المكلل بالظفر والنجاح والسؤدد والمجد المؤثل والتليد. لتنعم الاجيال بما يتحقق وتعيش في أمن وأمان وخير عميم وافر.