-A +A
صدقة يحيى فاضل
نتج عن العداء الغربي المحكم لروسيا، قيام حملة إعلامية - نفسية غربية شرسة ضد روسيا، هدفها «شيطنة» روسيا، والتخويف منها، وتضخيم سلبياتها، والمبالغة في تشويه مواقفها، لتسهيل محاولات إضعافها، وتفكيكها؛ الأمر الذي يعني خلق تيار عدائي ضد الروس بعامة، يمكن الإشارة إليه بظاهرة الـ«روسيافوبيا». وسنتحدث اليوم عن هذه الظاهرة، المشابهة لظواهر أخرى، ومنها ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي أكتوى بها كثير من المسلمين في العالم. وهذه الحملات، خاصة سلبية الهدف، تندرج ضمن ما يعرف بـ«وسائل» تحقيق أهداف السياسة الخارجية لأي دولة، ومنها وسيلة «الأدوات النفسية والإعلامية». اذ توصف الحملات السلبية (المشيطنة لطرف دولي ما) بأنها الهلع من «كذا»، كونه شريرًا..! والتسمية مكونة من مقطعين (باللغة الإنجليزية) «الطرف» المقصود، زائد مقطع «هلع»، أو خشية (phobia). فيقال (مثلًا): «الإسلاموفوبيا» (Islamphobia)، أو «الروسوفوبيا» Russophobia))، وقريبًا «الصينفوبيا» (Chinaphobia)...إلخ.

ومعروف، أن «السياسة الخارجية» لأي دولة، هي: الأهداف التي تسعى تلك الدولة لتحقيقها خارج حدودها -أو تجاه قضية، أو جزء أجنبي معين من العالم- و«الوسائل» التي تتبعها... لتحقيق تلك الأهداف. وأهم «الوسائل» التي تتبع -عادة- لتحقيق «أهداف» السياسة الخارجية للدولة -أية دولة- هي (بالترتيب التنازلي) الوسائل الأربع: الدبلوماسية، والأدوات الاقتصادية، وما يسمى بـ«الأدوات النفسية والإعلامية»، والأداة العسكرية (القوات المسلحة). علمًا أن الدبلوماسية تستخدم مع بقية الوسائل، وتلازم دائمًا استخدام كل وسيلة أخرى. كما أن الوسيلة النفسية - الإعلامية يمكن، كغيرها من الوسائل، أن تستخدم إيجابًا (ثناءً وتلميعًا)، أو سلبًا (شيطنة وذمًا).


****

ويلاحظ، أن أسلوب الشيطنة والحرب الإعلامية والنفسية، قد انتشر، في العلاقات الدولية، مؤخرًا بشكل ملحوظ. وساعد على ذلك التطورات الهائلة التي حصلت في مجالي الاتصالات والإعلام؛ ففي روسيا والصين بدأت تظهر ظاهرة الخشية من أمريكا والغرب، وشيطنة هذين الطرفين، كرد فعل على عدائهما لروسيا والصين. حيث بدأنا نشعر، ونسمع عن «الاميريكوفوبيا» (Americaphobia ) و«الغربفوبيا» (West phobia) وإن كانت هذه المصطلحات تطرح باللغات المحلية. إنما ظهرت تيارات إعلامية معادية، مضادة لما نشأ في الغرب.

ونذكر أن من أبرز النتائج السلبية لأعمال الجماعات الإسلاموية المتطرفة في المجتمعات العربية والإسلامية، هي: الإسهام، إلى حد ما، في ضرب محاولات النهوض العربية، تقوية الموقف الإسرائيلي تجاه العرب، غزو واحتلال وتدمير العراق، الإمعان في ظلم الفلسطينيين، غزو واحتلال أفغانستان، تواصل الدعم الغربي للصهيونية، التخطيط لتمزيق العالم العربي أكثر مما هو عليه الآن، والتضييق أكثر عليه فيما يتعلق بمسألتي التنمية والتسلح... إلخ. كما أن من أسوأ ما نتج عن أفعال الإسلاموية (بمعناها السلبي المعروف) هو تنامي ودعم وتفاقم ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب وغيره، التي تعني: تسفيه وكراهية المسلمين (بصفة عامة) من قبل غيرهم، واتخاذ إجراءات وأفعال ضدهم على أصعدة تواجدهم، والتمييز ضدهم، ومعاملتهم -دون سواهم- معاملة سيئة... فيها حط من الكرامة، وقدر من الإهانة المتعمدة... باعتبارهم «أصحاب عقيدة عنف وتخلف وكراهية للآخرين (حاشا دين الله القيم) وحتى الحض على استخدام العنف ضدهم...»!

****

انتشرت ظاهرة الشيطنة، وخاصة الإسلاموفوبيا، في معظم أنحاء العالم... وظلت درجة حدتها تتفاوت من مستوى منخفض، وغير معلن، إلى مستويات حادة، وسافرة. وكان من نتائج تكرر الأعمال الإرهابية، التي ربطت، أو ارتبطت بمسلمين، أن ارتفعت حدة الإسلاموفوبيا، في العقد الماضي، لدرجات غير مسبوقة، وخاصة في أمريكا والغرب بعامة. ونتج عن ذلك آثار سلبية كبيرة على قضايا العرب والمسلمين، وعلى أشخاصهم، وخاصة أولئك الذين اضطرتهم ظروف العيش للإقامة بالغرب، بشكل دائم أو مؤقت.

وبالطبع، ليس العرب والمسلمون هم الوحيدون الذين يعانون من ظاهرة التحيز والشيطنة ضدهم، بل هناك شعوب وأمم أخرى يشن ضدها هذا النوع من الحملات المعادية، ومنها الآن روسيا والصين. وقد أسهمت أزمتا أوكرانيا، وتايوان، في تصاعد «الروسوفوبيا»، و«الصينوفوبيا». ولكن هذه الشعوب تحاول أن ترد بالمثل على مهاجميها، وخاصة الغربيين. وتسجل نجاحات لا بأس بها، رغم التفوق التقني للإعلام الغربي. ويجمع المراقبون على ضرورة مكافحة هذه الظاهرة وتقليصها، بصرف النظر عن المستهدف بها، لتفادي ما ينجم عنها من صراعات وحروب.

وهناك ما يعرف بنظرية «الصور المتكونة أو الانطباعية» (Image Theory) التي تكونها الدول والأشخاص عن بعضها، وترسخها، حتى يصعب تغييرها، وإن كانت، كليًا أو جزئيًا، مبالغًا فيها، وخاطئة. ويشار إلى هذا الفعل أيضًا بـ«الصور النمطية» (Stereo Typing) التي كثيرًا ما تكون غير دقيقة، أو غير صحيحة، تمامًا، عن شعب، أو شخص، أو أشخاص، أو زعماء ما. ويرى علماء النفس والسياسة أن كثيرًا من الصراعات والحروب الدولية يمكن رد أسبابها لهذه الإدراكات المشوهة والمتحيزة والمزعومة، التي قد يتضح بعد سنوات، أنها لم تكن حقيقية، رغم تواجدها، في الإعلام والأذهان، لمدة طويلة.

ويمكن أن ندرج ضمن هذا الفعل المقصود ما يسمى بـ«سوء الفهم» (Misperception). فقد يسبب سوء فهم، بين أطراف دولية معينة، لتوتر بينها، وصراع، وربما حرب. وسوء الفهم هذا ينتج من: التسرع والتهور، و«فشل الاتصالات» الدبلوماسية السليمة بين الأطراف المعنية، في التفاهم فيما بينها، والتأكد من حقيقة موقف كل طرف. ومن ثم إعادة «الفهم» الصحيح، والسلام، والتطبيع، فيما بينها.