-A +A
مي خالد
اضطراب عجز الطبيعة هو مصطلح قدمه ريتشارد لوف لأول مرة في كتابه «الطفل الأخير في الغابة». مع استمرار الأطفال في قضاء وقت أقل فأقل في الهواء الطلق، تستمر مشاكل النمو والسلوك في الارتفاع.

أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين يلعبون في الهواء الطلق بانتظام يكونون أكثر سعادة وصحة وقوة. يقول المؤلف إن حماية الوالدين المفرطة وزيادة استخدام الشاشات هما من الأسباب الرئيسية لتطور اضطراب عجز الطبيعة.


بعد أن قرأت الكتاب انتبهت أن هناك جانباً أهم مما يقدمه المؤلف بخصوص اضطراب عجز الطبيعة وهو تشويه معنى الحياة في الطبيعة في مخيلة الأطفال.

أجد أعلى المشاهدات في قنوات مثل نتفليكس وأمازون وشاهد للبرامج الوثائقية عن عالم الحيوانات عن البرية والغابات وعالم البحار وكذلك الأفلام الكرتونية التي أبطالها محاكاة لعالم الحيوان، أسود أليفة ونمور وردية تمشي على قدمين وضباع زرقاء حكيمة إلى آخر قائمة المحاكاة العجائبية للطبيعة التي نهشتها الرأسمالية في الواقع ثم سلّعت حيواناتها، فعلب حبوب الإفطار تضع على غلافها الخارجي صورة نمر مبتسم. وحقائب المدارس على شكل خنافس حمراء ومرقطة ناهيك عن ملابس الأطفال وأشكال الحيوانات الغريبة التي تحويها. فبعد أن قطع الإنسان الغابات وأحرقها ونفر حيوانات البرية بسكك الحديد والطرق المعبدة وأسلاك الكهرباء التي أنشأها في مواطن تلك الحيوانات قرر أن يبيع حب الأطفال لهذه الحيوانات كذلك. ولم يكتفِ بالرسوم المتحركة بل توسّع في كل جوانب حياة الطفل.

يكبر الأطفال وهم محاطون بقصص الحيوانات والغابة والبرية بينما حيواناتهم بلاستك أو دمى قطنية يتم احتضانها بود في الليل ولا يكاد يكون لديهم خبرة مباشرة بها. هذه المحاكاة تقتل العالم الطبيعي في نفس الطفل. حتى أصبحت هذه البرامج الوثائقية وكأنها رثاء لواقع مندثر.

ومن المفارقات أن عدد المنتجات التي تحوي صورة حيوان هي أكثر من عدد أفراد هذا الحيوان في الطبيعة.

أفكر: ماذا لو حصلت هذه الحيوانات على حقوق ملكية صورها، ما الذي ستفعله بالمال؟ ستقتلع أسلاك الكهرباء وتخرج مدن الإنسان من أراضيها وتشتري حرية الحيوانات المحبوسة في أقفاص حدائق الحيوان والبيوت ومتاحف الطبيعة.