-A +A
عبداللطيف الضويحي
لم تعد الفكرة كلاماً عابراً نتجاذبه على الرصيف، وليست وجاهة اجتماعية نتصدر بها أحاديث المجالس والمقاهي، لكن الفكرة كنز ثمين، يتكتم عليها من يمتلكها ويخفيها عن عيون وآذان لصوص الأفكار ومافيات الابتكارات. فهل كل فكرة هي فكرة؟ وكيف تصبح الفكرة مثمرة؟ وهل بالضرورة تقتصر الأفكار على أصحاب الشهادات أو أصحاب المراكز الوظيفية؟

الابتكارات لها اشتراطاتها لتصبح كذلك، لأنها مرحلة نضج الفكرة. فعندما تصل الفكرة إلى مرحلة الابتكار، تكون قد تجاوزت الخطر. لأن الابتكارات مؤهلة عندئذ ليتم التعامل معها رسمياً من خلال الهيئة السعودية للملكية الفكرية، ما قبل ذلك تكون الفكرة طفلاً لا بد من أن يرعاه ويحضنه ولي أمره حتى يصبح راشداً ويكون له هوية، تلك فلسفة مبسطة.


تقوم هيئة الملكية الفكرية بعمل مهم وحققت إنجازات كمية مهمة قياساً بعمرها الزمني، لكن لا يزال أمامها طريق طويل من العمل في تصوري، فالمجال جديد نسبياً، والطلبات دائماً بازدياد كمياً ونوعياً، والهيئة تعمل في هذا الاتجاه حسب فهمي، ومن هذا المنطلق أردتُ أن أسلط الضوء على جانب بالغ الأهمية لكل الأطراف المعنية.

لقد حان الوقت لإيجاد وحدة إدارية لحماية ابتكارات الموظفين في كل جهاز ومؤسسة حكومية، خاصة الأجهزة والمؤسسات الحكومية التي يتطلب عملها باستمرار ابتكار الحلول الفنية والتقنية والإدارية. على أن ترتبط هذه الوحدة إدارياً بنفس المؤسسة التابعة لها، لكنها ترتبط فنياً بالهيئة السعودية للملكية الفكرية وبما يلزم من مرجعيات، لماذا هذه الوحدة وما أهميتها؟

تأتي أهمية هذه الوحدة الإدارية من عدد من الاعتبارات. تعد حقوق الملكية الفكرية مسلوبة في الجهاز الحكومي إلى حد كبير، لأن الثقافة الإدارية السائدة في الجهاز الحكومي لا تجيز للموظف «الصغير» بأن يتجاوز مديره ومن خلال تتابع وحدة الارتباط، بما فيها الاقتراحات والأفكار التطويرية والابتكارات، فالمدير في الغالب لا يكتفي بأن يرفع المقترح لمن هو أعلى منه، باسم صاحب الابتكار، بل يشطب الاسم، ويلغي بذلك العلاقة الحقوقية بين الفكرة وصاحبها الأصلي، فيظفر «المدير» بعد ذلك بحقوق الابتكار أو الأفكار معنوياً وربما مادياً أمام الإدارة العليا، كما أن هذا «النوع من المدير» لا يريد أن يفتح عيون الإدارة العليا على إمكانات وقدرات الموظفين الذين تحت إدارته، فقد يأتي هذا الموظف «الصغير» مديراً بدلاً من هذا المدير الحالي، إذا ما اكتشفت الإدارة العليا إمكاناته وقدراته مقارنة بإمكانات وقدرات المدير الحالي.

تعد وحدة حماية الابتكارات في الجهاز الحكومي بالغة الأهمية، لأنها ستكشف عن كنوز وإمكانات هائلة بين الموظفين، لأن هذا المارد يصمت ولا يتكلم حالياً لانعدام الحوافز من ناحية، وربما يخشى أن يجني على نفسه بسبب سلسلة المديرين، الذي إن نجا من أحدهم فقد لا ينجو من الآخر. فلو أحس الموظف الحكومي بالأمان والتحفيز سوف يفاجئنا بما لديه من ابتكارات خاصة الميدانيين منهم والمباشرين للعمل الدقيق، هم أقدر خبرة ومعرفة من غيرهم بالكثير من التفاصيل والجزئيات التي لم يمارسها غيرهم.

إنها ابتكارات الموظفين وأفكارهم، قبل أن تكون ملكية تلك الأفكار للمؤسسة، من وجهة نظري هذه حقوق صاحب الفكرة والابتكار بصرف النظر عن وظيفته ومكانته الوظيفية، ولا بد من تشريع يحمي هذه الحقوق ويكافئ أصحابها معنوياً ومادياً، ولا يجوز لأي كان أن يصادر حقوق هذه الأفكار والابتكارات أو يستحوذ عليها تحت أي ذريعة. إنها حقوق ملكية وليست طقوساً إدارية، وإذا كان هناك أي قوانين أو أنظمة تتعارض مع هذا المبدأ، فربما حان الوقت لمراجعتها ودراستها.

لقد حان الوقت لـ «تخصيب» ابتكارات وأفكار الموظف داخل المؤسسة التي يعمل بها (حكومية أو غير ذلك)، ولقد حان الوقت لإيجاد تشريع يحاسب المؤسسات التي تتعامل مع ابتكارات وأفكار موظفيها على أنها «منزوعة الدسم».