-A +A
منى المالكي
تتعالى الأصوات بين فترة وأخرى بأن العصر الورقي قد انتهى وأن الثورة الرقمية قضت على كل الأشكال البدائية في التعاطي المعرفي، وبرز واقع جديد لا يستطيع التعامل معه إلا من امتلك ناصية الكيبورد واستلهم تقنية الخوارزميات وذهب بعيداً لآفاق الرقمية وأسرارها! هذه حقائق لا يمكن تجاهلها وهي واقع معاش يومياً والتعامل معه أساس وثابت للحضارة الإنسانية، فالرقمية هي العلامة الفارقة لعصرنا الحضاري الآن، ولكن هذا لا يعني مطلقاً التخلي ومحو ما سبق من جهد بشري ومعرفة إنسانية أضافت لبِنات مهمة في بناء العقل البشري، وهذه الحقيقة يفترض أن تكون حاضرة عند البدء في العمل الثقافي بتفريعاته المتعددة المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

فما تشهده معارض الكتب الدولية من حضور واهتمام مجتمعي دليل دامغ على حضور الكتاب الورقي، وأنه ينافس الكتاب الإلكتروني الذي تتعامل معه جميع الفئات العمرية، فالكتاب الورقي يقتنيه الشباب كما يقتنيه «جيل الطيبين» مثلاً! ربما يرد البعض قائلاً إن هذا ليس بالشاهد القوي على حضور مظهر قديم للثقافة، أقصد «الكتاب الورقي»، ولكن ما يحدث كل عام من ازدحام شديد أمام بوابات معرض الرياض الدولي للكتاب، والتميز في التنظيم وتقديم دور النشر لمعروضاتها والاحتفاء بالكتاب الورقي والمثقفين المنتجين - أزعم - أنه دليل حضور ساطع للكتاب الورقي!


فالفرحة بمعرض الرياض الدولي للكتاب تتجاور مع فرحتنا بهذا العرس الثقافي المدهش في كل عام، بدءاً من اختيارات جيدة لعناوين البرنامج الثقافي والضيوف والدولة المستضافة والتنظيم وغير ذلك الكثير، فهذا كله يصب في النهاية لصالح حضور الثقافة السعودية باعتبارها متناً مهماً لرسم ملامح جيل قادم بقوة ليغير مفاهيم معرفية ويضيف من فكره وثقافته مفاهيم أخرى إلى جانب المحافظة على هوية وأصالة جغرافيتنا التاريخية التي كانت وما زالت محوراً مهماً من محاور الخارطة الإقليمية والدولية.

معرض الرياض الدولي للكتاب حدث سنوي مهم يساهم في الدبلوماسية الناعمة، بوصفه قوة مؤثرة لاجتذاب الأفكار المتباينة واحتواء الاختلاف من خلال منصات يتحاور الجميع بواسطتها للوصول إلى نقطة في المنتصف ليبدأ بعدها البناء، معرض الرياض الدولي للكتاب مفتاح مهم من مفاتيح القوة الناعمة، واستغلاله الأمثل بدبلوماسية مرنة هو الهدف الحقيقي!