أن تختارك الأقدار لتكتب، وتُمنح زاوية في صحيفة سيّارة، فذاك كرم أكبر مما تستحق، وسخاء أكثر مما تتوقع، واستشعار أمانة الكلمة ضرورة، واحترام القارئ مطلب، ومراعاة الله، في الوطن، وفي كل موظف، يعمل بحرص، وحُبّ، ومهنيّة واجب، فالكلمةُ؛ تحيي، وتُميت، والحروف؛ التي يمكنك بها رسم عبارة شكر ترفع المعنويات، يمكن أن تسدد بها عياراً مسموماً مدمراً للحس والمعنى.
وفي ظل ما وفرته التقنية، من وسائل وأجهزة؛ تختصر المسافات؛ والعبارات؛ لم يعد الأمر يحتاج إلى بطولة، وتضحية؛ ليثبت الكاتب أنه رهن إشارة المواطن، وناطق بلسان المسحوقين، والضعفاء، والمُهمشين، والمحرومين، فتلك حِقب ولّت؛ ولات حين مرجع، فلكل إنسان جهازه المقترن بأعلى القيادات وأرقى المسؤولين، ولا تثريب أن نصف (جوالاتنا) بالأبطال، أو المُناضلين الجُدد.
ليس هناك كائن حي دون معاناة، بمن فيهم كاتب المقال، فالحياة والفرح والثراء والمناصب لها ضريبة، والسائل والمسؤول كلهم عُرضة لحجر الرحى، والقارئ المُحتقن يودّ أن يتنفّس من خلال سطور كاتب يشفي غليله في بعض المؤسسات والقائمين عليها، باعتبار أن الكاتب يتقاطع مع (العرضحالجي) في تناول الهمّ اليومي، خصوصاً حين يُدبجه؛ بعبارات ثقيلة، ومؤثرة في نفسية المعروض عليه، وأحيانا مستفزة، منها (البلا عمّ، والخنا طمّ) وما زلنا نستعيد على سبيل الطُرفة قصة مسؤول صفع مواطناً متظلّماً كفاً فأعماه، وطالبه أن يأتي بكاتب (المعروض) وهو يردد «كيتبجي طال عمرك لقيته في السوق» فأقسم له أغلظ الأيمان إن لم يأتِ به ليؤدبنه وليكونن مُعتبراً لغيره ممن يتعظون بمصائر ومصارع الآخرين؛ وأرسل معه مندوباً، انقضى يومهما بطوله وهو يتنقل بالمندوب بين الدكاكين مردداً: «والله كان هنيه، كان هنيه والله»؛ أي كان هنا.
يظل سقف تطلعات القارئ أعلى من سقف كل رؤساء تحرير صحف العالم، ولكن القارئ لا يدفع قيمة المقال لكاتبه المفضّل ولا يتحمّل الثمن الذي يدفعه المُتفضل بتناول الشأن الخاص أو العام، فيما لو تمت مساءلة الكاتب «وش يقصد المتخبط بمقاله المتخلّط والمخلوط»؟!.
أعرف العشرات ممن لديهم طموحات موضوعية أو أطروحات مثالية، ويُسهبون في شرح وجهات نظرهم التي يرونها جوهرية ولا أراها، ولكن عندما تطلب منهم كتابتها على الواتساب، وإرسالها على الجوال لنشرها في صفحة صوت المواطن يعتذرون ويقولون «العب غيرها، كان غيرك أشطر».
هل يحق للكاتب تناول قضية، لا أصل لها أو من نسج خيال قارئ يضخّم الحال؛ ليوصف الكاتب بالشجاع، والغيور على مصالح المواطنين؟ وأيهم أبلغ في إيصال الصوت وأقوى مقال في جريدة أم فيديو على مواقع التواصل؟ ومن يظن اليوم أن الحق لا يُعطى لمستحقه؟
لا خلاف على أن لكل مواطن الحق في المطالبة بأفضل وأرقى الخدمات، بل المطالبة جزء من مسؤولية، وأدبيات المواطنة، لكن من المهم (المصداقية) في نقل الوقائع كما هي، واتباع القنوات أو المسارات الملائمة لطرح مطالبنا وفق إجراءات قانونية، مع الأخذ في الحسبان الحذر من التشهير، وتوفير المستندات اللازمة، وعدم المبالغة في عرض الحالة، ومن الطريف، عندما طالبت أحدهم بمستند قال: «أنا كُلّي مستند» فبدأت بفتح كاميرا الجوال لأوثّق حديثه، فتركني وانصرف، مردداً: «ما عاد عليك إلا هي، تبغي تورّطني مع الدولة»!
كان أبي -رحمه الله- يوصيني بالقراءة والكتابة، ويروي على مسامعي حكاية أبٍ يوصي ابنه أن «يقنع بالقليل ليأتيه الكثير» فاشتغل الابن كاتباً للمعاريض، يتقاضى على كتابة المعروض ريالاً، ولحسن حظه وقع أحد المعاريض في يد الوالي، فأعجبته الصياغة، وافتتن بجمال الخط، فطلب الكاتب وعيّنه رئيساً لديوان الكَتَبة، فعلّقت أُمي شفاها الله: ولكن أحد الولاة غضب من معروض، فطلب الكاتب فقطع يده وعلّقها في رقبته، وطلب من الحرس يطوفون به في الأسواق.
عندما يسألني شقيق عربي، أو صديق أجنبي عن سقف الحُريات في بلادنا، في هذا العهد أجيبهم: سقف الحُرية يرفعه الصدق، ويُخفضه الكذب، يُعليه اليقين، ويوطيه الشك، وكل مسؤول اليوم يتفاعل مع المواطنين والمواطنات في زمن قياسي، ويحرص على حل الإشكال دون تصعيد، ولا نفي للقصور، وهنا منتهى الشفافية، ومن يبادر لمعالجة قضية تخص قطاعه الوظيفي لا يستاهل من المخدوم أن يتطاول أو يسيء أو يرد الجميل بالقبيح، فنحن أبناء هذا الوطن نسيج واحد وأسرة متكاملة، والكل منا حريص على النزاهة، وعفة اليد واللسان، عن الزور، وتحقيق المنفعة دون إحداث ضرر.
من حق القارئ على الكاتب، لفت انتباه الموظف إلى خلل، أو مظلمة لكن العاقل ما يضحي بنفسه وقلمه في سبيل الاستعراض التعاطفي مع قضية شائكة ومُشوكة ومشكوك في صحتها، ومن القواعد الفقهية «الضرر يُزال» إلا أنه لا يُزال بما هو مثله، أو بما هو أضر منه، وسوء الظن وقبح التعبير ليسا من أخلاق ولا شِيم الكبار.
وفي ظل ما وفرته التقنية، من وسائل وأجهزة؛ تختصر المسافات؛ والعبارات؛ لم يعد الأمر يحتاج إلى بطولة، وتضحية؛ ليثبت الكاتب أنه رهن إشارة المواطن، وناطق بلسان المسحوقين، والضعفاء، والمُهمشين، والمحرومين، فتلك حِقب ولّت؛ ولات حين مرجع، فلكل إنسان جهازه المقترن بأعلى القيادات وأرقى المسؤولين، ولا تثريب أن نصف (جوالاتنا) بالأبطال، أو المُناضلين الجُدد.
ليس هناك كائن حي دون معاناة، بمن فيهم كاتب المقال، فالحياة والفرح والثراء والمناصب لها ضريبة، والسائل والمسؤول كلهم عُرضة لحجر الرحى، والقارئ المُحتقن يودّ أن يتنفّس من خلال سطور كاتب يشفي غليله في بعض المؤسسات والقائمين عليها، باعتبار أن الكاتب يتقاطع مع (العرضحالجي) في تناول الهمّ اليومي، خصوصاً حين يُدبجه؛ بعبارات ثقيلة، ومؤثرة في نفسية المعروض عليه، وأحيانا مستفزة، منها (البلا عمّ، والخنا طمّ) وما زلنا نستعيد على سبيل الطُرفة قصة مسؤول صفع مواطناً متظلّماً كفاً فأعماه، وطالبه أن يأتي بكاتب (المعروض) وهو يردد «كيتبجي طال عمرك لقيته في السوق» فأقسم له أغلظ الأيمان إن لم يأتِ به ليؤدبنه وليكونن مُعتبراً لغيره ممن يتعظون بمصائر ومصارع الآخرين؛ وأرسل معه مندوباً، انقضى يومهما بطوله وهو يتنقل بالمندوب بين الدكاكين مردداً: «والله كان هنيه، كان هنيه والله»؛ أي كان هنا.
يظل سقف تطلعات القارئ أعلى من سقف كل رؤساء تحرير صحف العالم، ولكن القارئ لا يدفع قيمة المقال لكاتبه المفضّل ولا يتحمّل الثمن الذي يدفعه المُتفضل بتناول الشأن الخاص أو العام، فيما لو تمت مساءلة الكاتب «وش يقصد المتخبط بمقاله المتخلّط والمخلوط»؟!.
أعرف العشرات ممن لديهم طموحات موضوعية أو أطروحات مثالية، ويُسهبون في شرح وجهات نظرهم التي يرونها جوهرية ولا أراها، ولكن عندما تطلب منهم كتابتها على الواتساب، وإرسالها على الجوال لنشرها في صفحة صوت المواطن يعتذرون ويقولون «العب غيرها، كان غيرك أشطر».
هل يحق للكاتب تناول قضية، لا أصل لها أو من نسج خيال قارئ يضخّم الحال؛ ليوصف الكاتب بالشجاع، والغيور على مصالح المواطنين؟ وأيهم أبلغ في إيصال الصوت وأقوى مقال في جريدة أم فيديو على مواقع التواصل؟ ومن يظن اليوم أن الحق لا يُعطى لمستحقه؟
لا خلاف على أن لكل مواطن الحق في المطالبة بأفضل وأرقى الخدمات، بل المطالبة جزء من مسؤولية، وأدبيات المواطنة، لكن من المهم (المصداقية) في نقل الوقائع كما هي، واتباع القنوات أو المسارات الملائمة لطرح مطالبنا وفق إجراءات قانونية، مع الأخذ في الحسبان الحذر من التشهير، وتوفير المستندات اللازمة، وعدم المبالغة في عرض الحالة، ومن الطريف، عندما طالبت أحدهم بمستند قال: «أنا كُلّي مستند» فبدأت بفتح كاميرا الجوال لأوثّق حديثه، فتركني وانصرف، مردداً: «ما عاد عليك إلا هي، تبغي تورّطني مع الدولة»!
كان أبي -رحمه الله- يوصيني بالقراءة والكتابة، ويروي على مسامعي حكاية أبٍ يوصي ابنه أن «يقنع بالقليل ليأتيه الكثير» فاشتغل الابن كاتباً للمعاريض، يتقاضى على كتابة المعروض ريالاً، ولحسن حظه وقع أحد المعاريض في يد الوالي، فأعجبته الصياغة، وافتتن بجمال الخط، فطلب الكاتب وعيّنه رئيساً لديوان الكَتَبة، فعلّقت أُمي شفاها الله: ولكن أحد الولاة غضب من معروض، فطلب الكاتب فقطع يده وعلّقها في رقبته، وطلب من الحرس يطوفون به في الأسواق.
عندما يسألني شقيق عربي، أو صديق أجنبي عن سقف الحُريات في بلادنا، في هذا العهد أجيبهم: سقف الحُرية يرفعه الصدق، ويُخفضه الكذب، يُعليه اليقين، ويوطيه الشك، وكل مسؤول اليوم يتفاعل مع المواطنين والمواطنات في زمن قياسي، ويحرص على حل الإشكال دون تصعيد، ولا نفي للقصور، وهنا منتهى الشفافية، ومن يبادر لمعالجة قضية تخص قطاعه الوظيفي لا يستاهل من المخدوم أن يتطاول أو يسيء أو يرد الجميل بالقبيح، فنحن أبناء هذا الوطن نسيج واحد وأسرة متكاملة، والكل منا حريص على النزاهة، وعفة اليد واللسان، عن الزور، وتحقيق المنفعة دون إحداث ضرر.
من حق القارئ على الكاتب، لفت انتباه الموظف إلى خلل، أو مظلمة لكن العاقل ما يضحي بنفسه وقلمه في سبيل الاستعراض التعاطفي مع قضية شائكة ومُشوكة ومشكوك في صحتها، ومن القواعد الفقهية «الضرر يُزال» إلا أنه لا يُزال بما هو مثله، أو بما هو أضر منه، وسوء الظن وقبح التعبير ليسا من أخلاق ولا شِيم الكبار.