-A +A
حمود أبو طالب
خلال الأيام الماضية كان الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك نجم وسائل الإعلام العالمية، بعد استحواذه على منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة تويتر، وإعلانه عن السياسات التحريرية والإدارية والمالية التي سيطبقها. إعصار الصفقة وصاحبها اجتاح حتى البيت الأبيض، فقد نقلت وكالة رويترز عن الرئيس جو بايدن قوله: «الآن ما يقلقنا جميعاً هو قيام إيلون ماسك بشراء أداة ترسل وتنشر الأكاذيب في أنحاء العالم... لم يعد هناك محررون في أمريكا... لا يوجد محررون... كيف نتوقع أن يتحلى الأطفال بالقدرة على إدراك المخاطر؟». اتهام صريح وصارخ من الرئيس الأمريكي لرجل أعمال أمريكي أنجز صفقته على مرأى ومسمع المسؤولين الأمريكيين المعنيين، ووفق أنظمة وقوانين الحكومة، فكيف يهاجمه رئيس الدولة علناً بتلك التهمة الخطيرة؟

في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم أمس للكاتب ديفيد ناسو الأستاذ في مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك، عنوانه «البارونات اللصوص وإيلون ماسك»، نقتبس منه بعض الآراء المهمة عن ما يحدث خلف الكواليس الأمريكية في الصفقات الكبرى، يقول الكاتب: «استغل ماسك الفرص السانحة في جهاز تنظيمي للدولة سريع التفكك وحصل على جيش صغير من المستثمرين، وأسطول من جماعات الضغط والمحامين والفرسان المعجبين به، فقد عمد إلى تصوير نفسه على أنه تقني عبقري قادر على كسر القواعد، ولذلك يجب تحريره من تدخل الحكومة للقيام بهذه الأعمال الصالحة. لأكثر من قرنين من الزمان، غيّر أباطرة أمريكا اقتصادنا وحياتنا اليومية (وأثروا أنفسهم) من خلال خوض لعبة الفوز مع الحكومات، فقد سعوا وحصلوا من تلك الحكومات على إعانات وحماية هائلة، وطالبوا بتركهم وحدهم للقيام بأعمالهم كما يحلو لهم».


ويضيف الكاتب قائلاً: «ماسك هو وجه الرأسمالية القائمة على التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين، تماماً مثل البارونات اللصوص الذين بنوا خطوط السكك الحديدية لدينا، وأندرو كارنيغي، الذي زود تلك السكك الحديدية وبناة المدن الأمريكية الحديثة بالصلب، وجسدوا التوسع في الرأسمالية الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين».

الكاتب يشير إلى قضية مهمة كبرى وقديمة هي خوض رجال الأعمال لعبة الفوز مع الحكومات وفق مصالح متبادلة متفق عليها، ويضع صفقة تويتر ضمنها، فكيف يوجه الرئيس بايدن ذلك النقد الحاد للمنصة ومالكها؟

هناك دائماً شيء ما غامض في علاقة السلطة برأس المال منذ تأسست الكيانات السياسية الحديثة، ربما يتجلى نموذجه الأبرز في أمريكا. ونحن الآن في مرحلة السلاح الإعلامي بكل أدواته التي أصبحت تتقدمها منصات التواصل، وتستخدمها دول كثيرة للتأثير وترويج وتمرير سياسات معينة، ولذلك أليس هناك ما يلفت الانتباه ويثير التساؤل في هجوم الرئيس الأمريكي على صفقة إعلامية أمريكية كبرى لصالح رجل أعمال أمريكي تمت بموافقة أو على الأقل معرفة الجميع هناك؟