-A +A
بدر بن سعود
في نوفمبر الحالي أصدرت وزارة العدل السعودية قراراً بشطب ترخيص محام، وهو قرار لافت وهام لأنه الثاني من نوعه خلال 21 عاماً، أو منذ صدور نظام المحاماة في المملكة عام 2001. وجاء في الحيثيات أنه خالف نظام المحاماة ولائحته التنفيذية، ومعها قواعد السلوك المهني للمحامين، وقام بفضح أسرار عميــــل من عملائه عن طريق السوشيــــال ميديا، وكــذلك من خـلال ظهوره في برنامج تلفزيوني، وبطبيعة الحـــــال، هـــذا التصــــرف لا يكون قانونياً إلا إذا وافق عليه العميل، وتوجد حالات تجيز إفصاح المحامي عن أسرار موكله، وتكون لحماية أمن المجتمع أو أمنه الشخصي.

مهنة المحاماة في مظهرها العام ليست جديدة على المملكة، وعرف ممارسوها في البدايات بالوكلاء الشرعيين أو الدعوجية، وهؤلاء كانوا يترافعون أمام المحاكم نيابة عن موكليهم منذ 1931، ويسمح لهم بثلاث قضايا في كل عام، وكانت أعدادهم بالآلاف، ولم يكونوا يحتاجون إلى خبرة أو مؤهل أو اختبار مهني، وكانت التزكية كافية لحصولهم على الترخيص، وفي ذات الوقت، كان المتخصصون في المحاماة والقانون، من غير الشرعيين، مرفوضين تماماً في المحاكم السعودية، وبصرف النظر عن مؤهلاتهم وخبراتهم.


هذا الوضع لم يتغير قليلاً إلا في 1982، عندما صدر قرار وزارة التجارة بالترخيص لمـــزاولة الاستشارات القانونية، وذلك على مسارين الأول شرعي والثاني قانوني، وفي 2001 صدر نظام المحاماة، الذي عدلت بعض مواده في العام الحالي، وتم تحويل ارتباط المحامين من وزارة التجارة إلى وزارة العدل، ومن ثم تأسيس الهيئة السعودية للمحامين في 2015، وإحالة الدعوجية إلى التقاعد، وبالتالي أصبحت وكالة الترافع محصورة في المحامي المرخص، أو في أطراف الدعوى وأقاربهم إلى الدرجة الرابعة.

يفترض ألا يقوم بالترافع أمام القضاء إلا المحامون المرخصون، إلا أن أعدادهم لا تتجاوز 13 ألفاً، وفق إحصاءات 2022، ما يعني أن هناك 23 محامياً لكل 100 ألف مواطن، وهذه النسبة متواضعة جدا مقارنة بغيرها، وعلى سبيل المثال، يوجد بأمريكا 858 محامياً لكل 100 ألف، وفي بريطانيا 270 محامياً لكل 100 ألف، وفي فرنسا 99 محامياً لكل 100 ألف، والمملكة تحتاج لأربعة أضعاف الأعداد الحالية لتعويض النقص الموجود، والوصول بأقل تقدير إلى المتوسط العالمي.

الترخيص لمكاتب المحاماة الأجنبية، بموجب التعديلات الأخيرة، يمثل نقلة نوعية ومهمة في العمل العدلي السعودي، لأنه سيعزز المنافسة في القطاع بين المستثمرين السعوديين والأجانب، وعلى طريقة المحترف الأجنبي في كرة القدم، ولا بد من تصحيح الصورة النمطية للمحامي في الدراما العربية، والتي ربطته بالانحرافات السلوكية والمهنية والانحطاط الأخـــــلاقي، وإلزام المحامي بالساعات التطوعية لغير القادرين على دفع تكاليفـــه، مع نشـر دليلين في المحاماة يحـدثان سنوياً، أحدهما للعمـــيل والآخر للمحامي، وكتابتهما بأسلوب بسيط وواضح، يمنع التجاوزات من الطرفين وينظم العلاقة بينهما.