استكمالاً لموضوع المقال السابق عن ضرورة إنشاء هيئة لـ«تدريبات الحساسية» كحل لغالب معضلاتنا؛ فالشركات الأمريكية لن تنفق 300 مليون دولار سنويّاً على «تدريبات الحساسية» لمنسوبيها، إلا إن كان لها عائد أكبر من التكلفة؛ سواء أكان عائداً مباشراً برفع الإنتاجية أو غير مباشر بالتقليل من خسائر البيئة المؤذية للموظفين التي تجعل أداءهم متدنياً وتجعلهم يكثرون التغيب لأعذار طبية نفسية وعضوية صادقة تنتج عن تعرضهم للتوتر المفرط والأذية المعنوية، ومنظومة «تدريبات الحساسية» ليست قائمة على الاستحسان الاجتماعي المتغير مثل «لائحة الذوق العام» إنما قائمة على دراسات علمية أثبتت أن هناك أشخاصاً لديهم تركيبة دماغ مختلفة عن عموم الناس تجعل أدمغتهم تميز أموراً لا يدركها غالب الناس، ولديهم جينات محددة تعزز حساسية وعي الدماغ بالآخرين ونسبة هؤلاء 15-20% من البشر، وهذه الفئة النادرة تولد بهذه الموهبة وتسمى علمياً «Highly Sensitive Person/HSP- الشخص عالي الحساسية» وتصوير أدمغتهم أظهر سبب وآلية عمل موهبتهم كما بهذه الدراسة بعنوان «The highly sensitive brain: an fMRI study of sensory processing sensitivity and response to others’ emotions» ويعتقد العلماء أن هذه الخاصية الجينية الدماغية تطورت لدى فئة قليلة من الناس لتمكنهم من أداء دور القيادة الريادية لمجموعتهم؛ لأن رهافة حساسية وعيهم وإدراكهم وشعورهم بالمؤشرات الاجتماعية والبيئية الدقيقة تجعلهم أقدر على تقدير الأخطار والفرص بشكل صحيح، كحال من لديهم درجة سمع ضعيفة ولا يمكنهم أن يسمعوا الأصوات الأقل منها فتضيع عليهم مؤشرات الخطر والفرص التي لن يسمعوها مما يعرض جماعتهم لوقوع تلك الأخطار وضياع الفرص، بينما من لديهم درجة سمع أعلى يمكنهم سماع تلك المؤشرات الخافتة، مما سيمكنهم من تجنيب جماعتهم الأخطار وإكسابهم الفرص الكامنة؛ أي أنه بأصل خلقتهم صمم الله «مرهفي الحساسية» ليكونوا قادة البشرية لكن الواقع عكس ذلك؛ فالقادة بكل المجالات هم «السيكوباتيون» وهي الفئة التي وجد العلماء أن لديهم ضموراً بمركز المعالجات العاطفية بالدماغ؛ ولذا ليس لديهم أدنى شعور بالآخرين وهؤلاء هم المتجبرون/ الجبارون أي الذين يدوسون على مشاعر واعتبارات وحساسيات وإرادة الآخرين ليجبروهم على خدمة أهوائهم الأنانية النرجسية (إن الرجل ليكتب جباراً وليس عنده إلا أهل بيته) أحمد. ورغم أن السيكوباتيين يمثلون نسبة 1% بأي مجتمع لكن بجميع المجتمعات يحتلون غالب الأدوار القيادية، وهم بلا أدنى رحمة ولا ضمير ولا خجل ولا ندم ولا خشية من الله ولا القانون لأن كل هذه مشاعر وهم يفتقرون بالكامل للعاطفة؛ ولذا قراراتهم دائماً خاطئة وكارثية العواقب، وافتقارهم للعاطفة يخطئ الناس بأن يحسبوه قوة شخصية ولذا يخصونهم بالمناصب؛ بسبب ثقافة احتقار العاطفة/الذكاء العاطفي/الحساسية باعتبارها نقيصة بالنساء اتخذت مبرراً لحرمانهن من الحقوق والمناصب القيادية والمساواة، والسيكوباتيون هم «الشخصيات السامة» التي تسمم أي بيئة يتواجدون فيها ويتسببون بخفض الإنتاجية ونوعية حياة الناس وتدميرهم عقلياً ونفسياً واستقالتهم؛ لذا فصل الشخصيات السيكوباتية السامة أسرع علاج لتعثر بيئة العمل، وتعيين مسؤول مرهف الحساسية أسرع إصلاح يجعل نوعية حياة الجميع أفضل ويرفع إنتاجيتهم ويزيل الفساد؛ فالفساد نمط سيكوباتي، وأصحاب «الحساسية المرهفة» يدربون غيرهم لاكتساب أنماطهم الإدراكية/السلوكية الحساسة، وهذه غاية الاقتداء بالنبي (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم). وممن تخصص بدراسة مرهفي الحساسية الدكتورة «Elaine Aron» والدكتورة «»Lori Cangilla مع ملاحظة الفارق بين «التعاطف/الرحمة-Sympathy: الشعور بالاستياء للحال المحزن للآخر»، وهو شعور الانسان الطبيعي، وبين «التماهي مع شعور الآخر/الشعور بشعوره-Empathy» وهو نمط الموهوبين بالحساسية المرهفة.