لم يكن (أبو العزّ) بكامل قواه الواعية في حموة وطيس الصحوة. اعترته ضبابية، حتّمت عليه التقرّب إلى (أساطين الخطاب الصحوي) ورموز المرحلة؛ طمعاً في كسب رضاهم، وبحكم أن الصحويين مورِّطون لمن تبعهم، ولا عصمة عندهم لعِرض مسؤول ولا رجل دين، ولا فقيه، ولا مواطن، إذ هم في جُرمِ معاداة، ما سوى الصحوة سواء.
وجد (أبو العز) نفسه، مُعلّماً، في قرية نائية، وجاء للقرية مُدجناً ومُدججاً، بمشاعر مركبة، وعداوة حمقاء، مُدرّب عليها في الخفاء، وكانت ألد عداواته تلك التي نفث سمومها باتجاه الوزير غازي القصيبي، الذي كان سكان القرى والهجر يثمّنون دوره، تثمين موعد الوسم، وموسم المطر، فالقرية المتواضعة؛ إلا من كبرياء أهلها، كانت في ظلام، وكان للقصيبي وزير الصناعة والكهرباء فضل إيصال (النور) في زمن قياسي، ثم تولى وزارة الصحة فأمر لهم بمركز صحي متكامل.
لفّت الصحوة دماغ (أبو العز) أو أن دماغه ملفوف خِلقة، فانبرى للصق النعوت الجائرة بالقصيبي (علماني، ماسوني، ليبرالي)، وبحكم أنه غدا الإمام، والمأذون تيسرت له سُبل الدخول لكل بيت، وكلّما عدّد عقلاء القرية ما خبروه من خصال الخير في القصيبي وصف الخصال الأصيلة بالتُقية، والتحايل عليهم؛ ليُفسد عليهم دِينهم، ويخرّب عقيدتهم، وفي أحد دروسه اليومية، طرد (أبو العزّ) شاباً نبيهاً لأنه قال: مجال القصيبي تنموي، ولا علاقة لطرحه لا بالعقيدة ولا الأديان، وأنت تبالغ في التحذير من رجل وطني تجب محبته، وتقديره والدعاء بأن يكثّر الله من أمثاله، فاتخذه عدواً وقال للجماعة: احذروه فهذا من أزلام العلمانيين.
تدرّج (أبو العز) في مراتب إثارة البغضاء، وكلما رفع مسؤول صحوته تقريراً عنه إلى القادة، ارتقت منزلته في عين المرجعية، وعدّوه جندياً على ثغر القصيبي؛ ليلغي صورته الكارزمية، في أذهان أفراد المجتمع، الذين أضاءت حياتهم بفضل الدولة أعزها الله، وجهود (أبو يارا).
كان (أبو العز) يغادر القرية مساء كل أربعاء، قاطعاً قرابة 120كم، ليحضر اجتماع الخلية، ويتزود بما يلزم لخطبة الجمعة، وبما أن في المدرسة معلمين من الإخوان الوافدين، فقد وفروا له ما يلزم من خطب كشك، وفتاوى عمر عبدالرحمن، المحرّضة على السلطان وأعوانه.
كان بعض أهل القرية واعين جداً، فإذا وصل (أبو العز) في خطبته ودروسه للدعاء على العلمانيين والليبراليين يقبضون أيديهم، ويقلبون كفوفهم، ولطالما حذّروا العريفة من هذا الفظ الذي يشتم رجال الدولة ويخونهم، ويهوّن من شأنهم.
لم يكن أبو العز (يعتني) بمجلس شيخ القبيلة الأسبوعي، وأطلق عليه (طاغوت) ونهى طلابه عن الذهاب إليه، وحرّم الأكل على مائدته، ومن أكل فكأنما أكل في بطنه ناراً، لأنها أموال مكوس وأتاوات من الغلابة.
نال (أبو العز) منصباً أعلى، واختاره التنظيم ليكون في المدينة، بعدما نضج طرحه، وكان مُزكّىً حتى من شخصيات اعتبارية، وانفتحت له الدنيا بمباهجها، فرخصت نفسه عليه، وهان عليه دِينه، فصار يتزوج هذي ويفك تلك، ويتملك العقارات، ويوزّع الهبات، ويقدم الرشاوى في سبيل المزيد من التنعم، ولا يفتأ يتطاول على القصيبي في كل سانحة، مشككاً في عقيدته وإيمانه ووطنيته، لكنه رغم كل المحاولات عجز عن القدح في ذمة أبو سهيل.
كان يفسّر زهد القصيبي في الدنيا، وتبرعه براتبه لجمعية تعتني بحالات إنسانية بأنها تدليس، وتسويق لفكره الدخيل، واستدراج للسذج؛ ليصدقوا هذه الأفعال التي لا حقيقة لها؛ بُغية تخليهم عن الولاء والبراء.
دارت الأيامُ دورتها، ووقع (أبو العزّ) ضحيّة إحدى حماقاته، فدخل السجن، وأهداه مدير الإصلاحية كتاب (حياة في الإدارة) لغازي القصيبي، وبدأ المراجعات، وطلب كتباً فأهدوه من المؤلفات ما أظهر الفرق بين الأدعياء وبين صادقي الانتماء، وبين عُبّاد الشهوات والشعارات، والمظاهر والملذات، وبين الذين يعبدون الله بالأمانة والصدق وعفة اليد واللسان، وسرعان ما تحرر من الكهنوت، وتطهّر من الفكر المنحرف.
أفاق (أبو العز) واكتشف غازي القصيبي على حقيقته، وراجع حساباته، وأدرك أن الصحويين يحقدون على من هو أوعى منهم، ويكرهون الأذكياء، ويحاولون وأدهم اجتماعياً؛ لأنهم سيعطّلون مشروعهم فآب صاحبنا للحق والعدل، واستشعر بموت القصيبي فظاعة ما كان أقدم عليه من بهتان، فكان يصلّي ما قسم الله له في جوف الليل، ويدعو لغازي بالمغفرة والرحمة وجميع موتى المسلمين، فيما خصص ما يدفعه له السجن من مبالغ مالية لعمال النظافة على نية ( الوزير الفخم) وكلما وردت سيرة القصيبي أمامه بكى مردداً فين كان عقلي عندما انتهكتُ أعراض وذمم الأبرياء؟!
قبل خروجه اعترف للمساجين بأن للقصيبي ديناً عليه ومظلمة عنده؛ لأنه كان معمماً وأعمى بصيرة، وبخروجه من حبسه لم تتوقف صدقاته لروح غازي، ومنذ أسبوعين انتقل (أبو العز) إلى الدار الآخرة، وأوصى أولاده بأن لا يقطعوا الصدقة عن غازي.
وجد (أبو العز) نفسه، مُعلّماً، في قرية نائية، وجاء للقرية مُدجناً ومُدججاً، بمشاعر مركبة، وعداوة حمقاء، مُدرّب عليها في الخفاء، وكانت ألد عداواته تلك التي نفث سمومها باتجاه الوزير غازي القصيبي، الذي كان سكان القرى والهجر يثمّنون دوره، تثمين موعد الوسم، وموسم المطر، فالقرية المتواضعة؛ إلا من كبرياء أهلها، كانت في ظلام، وكان للقصيبي وزير الصناعة والكهرباء فضل إيصال (النور) في زمن قياسي، ثم تولى وزارة الصحة فأمر لهم بمركز صحي متكامل.
لفّت الصحوة دماغ (أبو العز) أو أن دماغه ملفوف خِلقة، فانبرى للصق النعوت الجائرة بالقصيبي (علماني، ماسوني، ليبرالي)، وبحكم أنه غدا الإمام، والمأذون تيسرت له سُبل الدخول لكل بيت، وكلّما عدّد عقلاء القرية ما خبروه من خصال الخير في القصيبي وصف الخصال الأصيلة بالتُقية، والتحايل عليهم؛ ليُفسد عليهم دِينهم، ويخرّب عقيدتهم، وفي أحد دروسه اليومية، طرد (أبو العزّ) شاباً نبيهاً لأنه قال: مجال القصيبي تنموي، ولا علاقة لطرحه لا بالعقيدة ولا الأديان، وأنت تبالغ في التحذير من رجل وطني تجب محبته، وتقديره والدعاء بأن يكثّر الله من أمثاله، فاتخذه عدواً وقال للجماعة: احذروه فهذا من أزلام العلمانيين.
تدرّج (أبو العز) في مراتب إثارة البغضاء، وكلما رفع مسؤول صحوته تقريراً عنه إلى القادة، ارتقت منزلته في عين المرجعية، وعدّوه جندياً على ثغر القصيبي؛ ليلغي صورته الكارزمية، في أذهان أفراد المجتمع، الذين أضاءت حياتهم بفضل الدولة أعزها الله، وجهود (أبو يارا).
كان (أبو العز) يغادر القرية مساء كل أربعاء، قاطعاً قرابة 120كم، ليحضر اجتماع الخلية، ويتزود بما يلزم لخطبة الجمعة، وبما أن في المدرسة معلمين من الإخوان الوافدين، فقد وفروا له ما يلزم من خطب كشك، وفتاوى عمر عبدالرحمن، المحرّضة على السلطان وأعوانه.
كان بعض أهل القرية واعين جداً، فإذا وصل (أبو العز) في خطبته ودروسه للدعاء على العلمانيين والليبراليين يقبضون أيديهم، ويقلبون كفوفهم، ولطالما حذّروا العريفة من هذا الفظ الذي يشتم رجال الدولة ويخونهم، ويهوّن من شأنهم.
لم يكن أبو العز (يعتني) بمجلس شيخ القبيلة الأسبوعي، وأطلق عليه (طاغوت) ونهى طلابه عن الذهاب إليه، وحرّم الأكل على مائدته، ومن أكل فكأنما أكل في بطنه ناراً، لأنها أموال مكوس وأتاوات من الغلابة.
نال (أبو العز) منصباً أعلى، واختاره التنظيم ليكون في المدينة، بعدما نضج طرحه، وكان مُزكّىً حتى من شخصيات اعتبارية، وانفتحت له الدنيا بمباهجها، فرخصت نفسه عليه، وهان عليه دِينه، فصار يتزوج هذي ويفك تلك، ويتملك العقارات، ويوزّع الهبات، ويقدم الرشاوى في سبيل المزيد من التنعم، ولا يفتأ يتطاول على القصيبي في كل سانحة، مشككاً في عقيدته وإيمانه ووطنيته، لكنه رغم كل المحاولات عجز عن القدح في ذمة أبو سهيل.
كان يفسّر زهد القصيبي في الدنيا، وتبرعه براتبه لجمعية تعتني بحالات إنسانية بأنها تدليس، وتسويق لفكره الدخيل، واستدراج للسذج؛ ليصدقوا هذه الأفعال التي لا حقيقة لها؛ بُغية تخليهم عن الولاء والبراء.
دارت الأيامُ دورتها، ووقع (أبو العزّ) ضحيّة إحدى حماقاته، فدخل السجن، وأهداه مدير الإصلاحية كتاب (حياة في الإدارة) لغازي القصيبي، وبدأ المراجعات، وطلب كتباً فأهدوه من المؤلفات ما أظهر الفرق بين الأدعياء وبين صادقي الانتماء، وبين عُبّاد الشهوات والشعارات، والمظاهر والملذات، وبين الذين يعبدون الله بالأمانة والصدق وعفة اليد واللسان، وسرعان ما تحرر من الكهنوت، وتطهّر من الفكر المنحرف.
أفاق (أبو العز) واكتشف غازي القصيبي على حقيقته، وراجع حساباته، وأدرك أن الصحويين يحقدون على من هو أوعى منهم، ويكرهون الأذكياء، ويحاولون وأدهم اجتماعياً؛ لأنهم سيعطّلون مشروعهم فآب صاحبنا للحق والعدل، واستشعر بموت القصيبي فظاعة ما كان أقدم عليه من بهتان، فكان يصلّي ما قسم الله له في جوف الليل، ويدعو لغازي بالمغفرة والرحمة وجميع موتى المسلمين، فيما خصص ما يدفعه له السجن من مبالغ مالية لعمال النظافة على نية ( الوزير الفخم) وكلما وردت سيرة القصيبي أمامه بكى مردداً فين كان عقلي عندما انتهكتُ أعراض وذمم الأبرياء؟!
قبل خروجه اعترف للمساجين بأن للقصيبي ديناً عليه ومظلمة عنده؛ لأنه كان معمماً وأعمى بصيرة، وبخروجه من حبسه لم تتوقف صدقاته لروح غازي، ومنذ أسبوعين انتقل (أبو العز) إلى الدار الآخرة، وأوصى أولاده بأن لا يقطعوا الصدقة عن غازي.