-A +A
صدقة يحيى فاضل
يذكر انعقاد مؤتمر القمة العربية بالجزائر مؤخراً (يوم 1/‏‏11/‏‏2022م) بالمنطقة العربية، وبجامعة الدول العربية، وبمبدأ «القومية العربية»، ومحاولات إحيائها، بما يخدم المصالح العربية العليا. وذلك بعد أن عانى هذا المبدأ ما عاناه من سوء استخدام، وتشويه، على يد بعض قادة العرب ونخبهم، وما شن ضده من حملات استعمارية وصهيونية، لا حصر لها. وبهذه المناسبة، نتحدث اليوم عن أهم «مزايا» القومية؛ سواء كانت عربية، أو غير عربية، وهي إمكانية استخدامها كـ«عامل موحِّد»، بكسر الحاء.

لقد خلق الله الإنسان، وخصّ كل مخلوق بخصوصية ينفرد بها، ويتميز بها عن غيره، من بني جنسه. ونستطيع القول إن بالعالم الآن حوالى ثمانية بلايين «خصوصية»... فعدد سكان العالم هو الآن حوالى 7.8 بليون نسمة.. كل نفس لها خصوصية خاصة بها، معينة أو يمكن تعيينها. هناك نقاط تشابه واختلاف وتماثل فيما بين خصائص بني البشر. وأكثر الناس تشابهاً فيما بينهم يميلون تلقائياً لتكوين «هوية» واحدة مشتركة، تميزهم عن غيرهم، من القوميات/‏‏ الهويات المختلفة الأخرى.


وهناك عناصر ثمانية، تتصدرها اللغة المشتركة، إن اجتمع بعضها، أو كلها، بالإضافة للغة، في مجموعة كبيرة من الناس، فإن هؤلاء يصبحون ذوي قومية واحدة. حيث يمكن أن تعرف «القومية» بأنها: مجموعة كبيرة من الناس (قد يحسب عددها بالملايين) تتحدث لغة واحدة مشتركة، وترتبط فيما بينها بواحد، أو أكثر، من العناصر التالية: الأصل العرقي الواحد، الدين الواحد، التقاليد المشتركة، التاريخ المشترك، الإقليم المشترك، المصالح المشتركة، الأخطار المشتركة.

وعندما نسلم بهذا التعريف، نجد أن هناك بالعالم الآن آلاف القوميات المختلفة. لو شاء الخالق لجعلها أمة واحدة. ولكنه جعل اختلافهم أمراً حتمياً، وغريزياً.. تلك إرادته. ولعل أهم «إيجابيات» القومية الواحدة، بالنسبة لأهلها، هي كونها تمثل «عاملاً موحداً». إنها دافع اتحاد وتضامن، وتآزر وتعاون فيما بين المنتمين لها.. خاصة ضد ما يواجهون من تحديات ومكائد خصوم. أما أهم سلبياتها، نسبة لغير أهلها، فكونها يمكن، في الوقت ذاته، أن تكون «عاملاً مفتتاً» للبشرية ككل، نظراً لما قد يقع بين القوميات المختلفة من خلافات، وصراعات، وحروب.

****

والحل هو أن يتحد البشر كلهم في قومية (هوية) واحدة.. وهذا يعتبر اليوم من المستحيلات. فالقوميات المختلفة هي أمر واقع، وحتمي، ناجم من غريزة وطبيعة متأصلة في البشر. ولا يمكن تصور زوال الولاء للقوميات إلا إن تغيرت غرائز راسخة في البشر. فلا مناص من التسليم بوجود القوميات، والسعي لدفعها نحو التعاون، والتكامل فيما بينها كقوميات، منعاً للصراعات والحروب، وحفظاً للسلام العالمي، وللبقاء والرفاه الإنساني.

ويكفي وجود قومية، أو أكثر، لدفع الآخرين للتمترس خلف قومية خاصة بهم. وهذا ما يجعل القوميات ظواهر اجتماعية وسياسية دائمة، وغير قابلة للذوبان. ومن هذا المنطلق، تعرف «القومية العربية» بأنها: مجموعة كبيرة من البشر، تتحدث بلغة مشتركة واحدة، هي اللغة العربية، وترتبط فيما بينها، إضافة لرابط اللغة، بروابط مشتركة مختلفة، أهمها: العرق، الدين، التقاليد، التاريخ، الإقليم، المصالح، الأخطار المشتركة. وطالما أن كل المجموعات البشرية الكبيرة تنضوي تحت قوميات معينة، فلِمَ لا يكون للعرب قوميتهم، هم أيضا؟!

أما أهم إيجابيات القومية العربية، بالنسبة للعرب، فكونها (والدين) أهم دوافع اتحاد الأمة العربية. بل هي الدافع الأقوى للتعاون والتكامل، والتضامن، لدعم المصالح المشتركة، ومواجهة التحديات المختلفة التي تواجه الأمة العربية، مجتمعة ومتفرقة. فالمواجهة الجماعية لهذه التحديات، هي أكثر فاعلية، بالطبع، من المواجهة المنفردة. وهناك من يقول من العرب: إن أبرز سلبيات القومية العربية هي أنها «عامل مفتت» لمعظم الأوضاع السياسية العربية الحالية..!

****

وفي ظل التخبط الفكري، والاستراتيجي، والتشرذم، الذي يعيشه معظم العرب، في الوقت الراهن، خاصة على المستويين الشعبي والرسمي، وكذلك المستويين القطري والقومي، تبرز الحاجة الملحة للمراجعة النظرية والفكرية للهوية العربية، وللرؤية العربية المستقبلية، كما يجب أن تكون. وهذه قضية فكرية وسلوكية ومصيرية كبيرة. فهي، في نهاية المطاف قضية «هوية»، يجب أن تحدد، ويلتزم بتبعاتها... تمهيداً لمستقبل أفضل، للأجيال العربية القادمة.

ولا شك أن هناك «أمة» عربية، ولها -كالمعتاد- «ثوابت» معينة، أو يمكن تعيينها. وهي أمة (Nation) بكل المقاييس...تمتد حدودها من المحيط الأطلسي غرباً، إلى الخليج العربي، شرقاً، ومن البحر الأبيض المتوسط وهضبة الأناضول شمالاً، إلى بحر العرب، وأفريقيا السمراء جنوباً. وهي من أقدم وأعرق أمم الأرض. إذ تنطبق عليها كل تعريفات «الأمة»، وإن وجدت في دول عدة، وساء حال بعضها. ويكفي أن ألد أعدائها يعتبرونها كذلك، رغم أن بعضاً من بني جلدتها يشككون في كونها أمة واحدة، ولا يسرهم أن تكون كذلك..!

وبصرف النظر عن رأى هذا الطرف أو ذاك، تفرض الشعوب العربية نفسها كأمة متجانسة، أو شبه متجانسة. بل إنها من أكثر المجموعات البشرية التي ينطبق عليها مصطلح «أمة»، بسبب أنه يربط فيما بين غالبية مكوناتها كل الروابط والأواصر التي تربط -عادة- بين جماعات بني البشر، وأهمها الروابط الثمانية الشهيرة، المشار إليها آنفا. ولا توجد الآن مجموعة كبيرة من البشر على وجه البسيطة، يربط فيما بين أطرافها وعناصرها (وبقوة) كل هذه الروابط والوشائج، ويبقى هذا حالها.. تفكك، وضعف، وتخلف... إلخ. ولكنها عوامل ومسببات هذا الوضع (المسببان الداخلي والخارجي).

العرب أمة وصل تعدادها لأكثر من 400 مليون نسمة، ولها ظل داعم لا يستهان به، هو العالم الإسلامي، ظهير الأمة العربية، وصديقها وداعمها الأول (نظرياً، على الأقل). ولو كانت أمور معظم هذه الأمة طبيعية، وسليمة، لربما رأينا استغلالاً لهذه الهوية، كعامل موحد، ورأينا تضامناً حقيقياً واتحاداً فيما بين أجزاء هذه الأمة، يرتبط بتحالف مصلحي مع مليار مسلم، في عالم اليوم، الذي لا يعترف إلا بالمتحدين والأقوياء.