-A +A
نجيب يماني
من بين دول قليلة في العالم، لا تكاد يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، تبرز المملكة بميزانية ذات مؤشرات إيجابية، وتطلعات كبيرة، للعام 2023، محققة فائضًا يقدّر بستة عشر مليار ريال، بما يؤكد متانة الاقتصاد السعودي، وقدرته على الصمود في وجه التغيرات والمتغيرات الاقتصادية العالمية، التي تعرضت لها دول وهزت عروشها، وهي التي عرفت بمتانة اقتصادها، وقوة نفوذها المالي.. كما يؤكد ذلك أن النهج الاقتصادي الذي تتبعه المملكة، والإصلاحات الاقتصادية والمالية التي اعتمدتها ضمن رؤية المملكة 2030، قد أثمرت خيرًا، وآتت أكلها، وظهر تأثيرها جليًا في المنظومة الاقتصادية، من عدة نواحٍ مختلفة.

والمحصلة من ذلك تقوية المركز المالي للمملكة، الأمر الذي يضمن الاستدامة المالية وفق الإستراتيجيات الموضوعة، وصولاً لتحقيق أسباب جودة الحياة للمواطن السعودي، وضمان رفاهيته..


إن الناظر للأهداف التي تتغياها ميزانية المملكة للعام 2023، وتسعى إلى إنزالها إلى أرض الواقع، تكشف بوضوح وجلاء أن المملكة، بوعي قيادتها الرشيدة، ترمي إلى آفاق بعيدة، وتستشرف واقعًا مشرقًا بالعطاء والإنجاز المفجّر للطاقات، والمستفيد من كل الإمكانات التي يزخر بها وطننا الغالي، فقد وضعت الميزانية أربعة أهداف لتحقيقها في العام المقبل، وتتمثل في:

• ترتيب أولويات الإنفاق على المشاريع الرأسمالية وفق الإستراتيجيات المناطقية والقطاعية، المتوائمة مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 والتوجهات الوطنية.

• الاستمرار في تنفيذ البرامج والمشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي.

• دعم التنوع الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص بتحسين بيئة الأعمال، وتذليل المعوقات؛ لجعلها بيئة جاذبة.

• رفع معدلات النمو الاقتصادي للعام المقبل وعلى المدى المتوسط.

فجملة هذه الأهداف لا شك تنسجم تمام الانسجام مع رؤية المملكة 2030، وتتابع بشاراتها، بكل جديد مدهش، يضعنا جميعًا أمام تحديات كبيرة، ومسؤوليات جسيمة. ولعل أكثر ما يستوقفني في هذه الأهداف فكرة التنوّع الاقتصادي، كونها تمثّل تحديًّا مهمًا، يخرج بالمملكة من الصور الاقتصادية النمطية التي عرفت بها لزمن ليس بالقصير، إلى براحات جديدة، يشكّل فيها المنتج السعودي عنصرًا منافسًا بجودته في الأسواق العالمية، يشمل ذلك المنتجات الصناعية، والزراعية، فالإستراتيجية الصناعية التي أعلن عنها أخيرًا، تضع المملكة أمام هذا التحدي، لتغيّر بذلك معادلات كثيرة سواء في مستوى بنية المجتمع وتفكيره، أو في السوق العالمي وتقديراته، وترتيبات ذلك جارية على نسق متصاعد بما يبشّر بثماره قريبًا.. وهو عين ما أشار إليه سمو ولي العهد - حفظه الله - بقوله: «رؤية المملكة 2030، تركز على تبني إصلاحات ضخمة في مختلف المجالات، ويعد وجود قطاع صناعي حيوي ومستدام قادر على المنافسة ومعتمد على التصدير ممكّنًا لتحقيق مستهدفاتها، لذلك أطلقت الإستراتيجية الوطنية للصناعة التي تهدف إلى تنمية بيئة الأعمال الصناعية، وتنويع قاعدتها، وتعزيز تجارة المملكة الدولية، وتدعيم وصول الصادرات الوطنية إلى الأسواق العالمية، وتنمية وتعزيز الابتكار والمعرفة، كما يتوقع أن تحقق الإستراتيجية تأثيرًا إيجابيًا ضخمًا في اقتصاد المملكة، حيث حددت أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال، وتعمل على مضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال، ووصول مجموعة قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، إضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة»..

وليس المجال الصناعي وحده هو التحدي الذي تخوضه المملكة في حاضرها المتحرّك، وغدها المنتظر، فالأمن الغذائي، يمثل هدفًا مهمًا كذلك في ميزانية 2023، وتكفي الإشارة إلى بوادر الأزمة الغذائية التي يعيشها العالم اليوم جراء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والتغيرات المناخية الدراماتيكية، وموجات الجفاف ونقص المياه، وغير ذلك من عوامل أخرى، فوعي المملكة بتأثيرات هذه التوترات الجيوسياسية، وما ينتج عنها من اختلال في منظومة الإمداد الغذائي، استوجب التفكير العميق نحو تحقيق الاكتفاء الغذائي، الأمر الذي تميزت به إستراتيجية الأمن الغذائي في المملكة من خلال رؤيتها التكاملية بما يضمن للمملكة استقرارًا في أوضاع الغذاء والاكتفاء الداخلي، مع القدرة على المساهمة بمنتجاتها في الأسواق الإقليمية والعالمية على حد سواء..

إن التحوّل المفاهيمي في بنية الوعي الاقتصادي السعودي، لن يتحقق بالصورة المطلوبة، إلا إذا استشعرت كل الجهات ذات الصلة دورها المنوط بها، وأخص بالتحديد وزارة التعليم، التي لا بد أن تلعب دورًا أكثر تأثيرًا من خلال تسخير الميزانية المرصودة لها من أجل توفير بيئة تعليمية، ومناهج متساوقة مع الرؤية، وقادرة على تخريج طلاب ذوي كفاءات علمية، بحيث يمكنهم تحمل أمانة النهوض بالمملكة وفق رؤيتها المباركة، متجاوزين مربعات الحفظ والتلقين الذي لن يثمر غير «كتبة» و«موظفين»، أقصى أحلامهم التدرّج الوظيفي الروتيني، والتقاعد عند نهاية السلم، دون إنجاز يذكر.. الأمل كبير والمستقبل واعد ووطني الغالي كل يوم يحقق الجديد تظلله رؤية طموحة لا زال نورها يشرق كل يوم بالخير والأمل،

ميزانية خير وبركة وسعادة لوطن يستحق الكثير وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.