يزخر التاريخ البشري بالعديد من النماذج المخيفة للطغاة الذين لم يتورعوا عن قتل مواطنيهم وتشريد شعوبهم وتدمير مواردهم لمجرد إرضاء نزواتهم وتحقيق مطامعهم، وقبل انتشار الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها لم تكن تصل للجميع فظائع ومذابح ومجازر الطغاة إلا من خلال الكتب وشهادات المؤرخين المحدودة، غير أن العصر الحديث بات يتميز بقدرته على بث تلك الوقائع حية ونشرها بين ملايين المستخدمين خلال لحظات، وهو ما أسهم – ولو قليلاً – في تغيير مصير بعض الدول وتحجيم هؤلاء الطغاة على الرغم من إصرارهم على أن يظلوا طغاة وقامعين حتى الرمق الأخير.
للطغاة العديد من الملامح والسمات والصفات المشتركة، فجميعهم شخصيات أنانية متعجرفة محدودة التفكير متمحورة حول نفسها، ترى شعبها ومواردها مجرد أدوات لتحقيق أحلامها وتنفيذ أطماعها، فهم مسخّرون لخدمتهم ومكلفون بالعمل على راحتهم، هؤلاء الطغاة لا يتمتعون بكفاءات نادرة أو مهارات غير مسبوقة وغير قادرين على التفكير بصورة شاملة أو متكاملة، الكثير منهم يفتقد للقدرة على تحليل الوقائع أو فهم التاريخ واستيعابه، والقيام بعمليات فكرية معقدة تتطلبها مناصبهم الرفيعة، كما أن ما يميز هؤلاء الطغاة هو استماتتهم في الحفاظ على مناصبهم ورفضهم القاطع التنازل عنها ولو على حساب آخر قطرة دم تجري في عروق آخر مواطن، فهم لا يستسلمون بسهولة ولا يتنازلون عما يعتقدونه حقاً مكتسباً لهم ببساطة، ولذلك يقاتلون بشراسة منقطعة النظير عن وجودهم، ويدافعون عن مكانتهم حتى آخر نفس يتردد داخل صدورهم.
لا يمكن حصر عدد الطغاة خلال الحقبة القديمة من التاريخ، لكن يمكننا ذكر بعض منهم في التاريخ الحديث، على الأقل خلال القرن المنصرم، مثل هتلر وموسوليني وصدام حسين والقذافي، ومن خلال استقراء سريع لهؤلاء نستطيع أن نتبين أنهم جميعاً نماذج توافرت فيها تلك السمات على نحو وفير، وعلى الأخص سمة عدم الاستسلام بسهولة، فهتلر على الرغم من تيقنه من هزيمته المدوية لم يفكر في الحفاظ على أرواح جنوده وحقن دمائهم، فعند وصول الحلفاء على أبواب برلين لم تصدر منه سوى دعوات صارخة لمقاومة المحتل حتى النهاية، ومع اشتداد الحصار وتيقنه من الهزيمة على نحو نهائي انتحر وترك شعبه يواجه مصيره الكالح بمفرده، فقد فضل أن يكون طاغية حتى الرمق الأخير مضحياً بكل ما كان من شأنه إنقاذ جنوده من الإعدامات والموت المحقق والذل والنجاة بحياتهم من مستنقع الحرب البائس.
نجد نفس الأمر تكرر مع موسوليني فقد دفعه غروره لاحتلال دول وتسخير شعوبها لنزواته، ومن المؤكد أنه لم يكن يرى نهايته التي اختطها بنفسه، فالطاغية لا يرى أبعد من قدميه، ولعل انهيار إيطاليا من خلال ضربات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية دفعت شعبه للفتك به وإعدامه جزاء له على ما يستحقه من استهانة بأرواحهم واستهتار بدمائهم، نفس الأمر يتكرر مع صدام حسين الرئيس العراقي الأسبق، الذي لم يهتم أدنى اهتمام بجنود جيشه المنهك الذي زج به مرتين في حروب طاحنة في منطقة الخليج العربي، لم يفكر صدام حسين أبداً في مستقبل بلاده، بل أمعن في قسوته واعتبر كل من يعترض على خوض هذه الحرب أو تلك أو يرغب في الانسحاب منها خائناً بامتياز لا يستحق سوى الإعدام.
بالرغم من دعوات المعتدلين لصدام حسين بترك الحكم ومغادرة العراق، فإنه فضّل التعلق بآخر أمل للتشبث بكرسي الحكم كما فعل هتلر، وعلى الرغم من اختلال ميزان القوى العسكرية بينه وبين قوات التحالف في حرب العام 2003، وعلى الرغم من إدراكه أن الهزيمة قادمة لا شك فيها، إلا أنه كان يأمر جنوده بالقتال حتى آخر قطرة من دمهم، وهو ما تسبب في وقوع الكثير من الضحايا الذين كانوا بين مطرقة التحالف وسندان صدام حسين، وقد تساوت أمام كلا الزعيمين – هتلر وصدام – فرص الحياة والموت، بل قد رغب كل منهما من شعبه أن يفني حياته فداء لنزواته، فلِمَ لا يفنى كل شعب مع زعيمه؟ لِمَ يموت القائد ويبقى الشعب الذي لا يساوي شيئاً بدونه؟!
ما سبق وذكرناه يصلح للتطبيق على ما يحدث الآن في إيران، وهو أحد المؤشرات المهمة التي يمكننا من خلالها الاستدلال على سلوكيات نظام طهران خلال الحقبة القادمة، فعقب موجات المظاهرات العارمة التي اجتاحت إيران مؤخراً، وأعقبها قيام النظام بإعدام المتظاهرين وسط سخط وغضب دولي جارف ضد سلوكيات النظام بالغة القسوة، مع اللامبالاة البادية على النظام تجاه هذا الغضب والسخط، يتضح لنا أن دورة جديدة من التاريخ تتكرر أمام أعيننا، فالنظام في إيران لن يستسلم بسهولة أبداً، ولن يرضخ أو ينصاع ببساطة لمظاهر غرق السفينة، فهو على يقين من هزيمته إن لم يكن اليوم فسيكون غداً، وقد تأكد من أن مرور يوم جديد هو شيء ليس في صالحه على الإطلاق، ورغم ذلك لم يتخذ الخطوة الصحيحة، بل نجده وقد سارع بتنفيذ الإعدامات في حق شعبه بدلاً من أن يراجع نفسه أو يعيد ترتيب أوراقه، فهو يسير على درب ارتسمه الطغاة لأنفسهم، سيستمر في انتهاج نفس السياسة الرعناء بصلف وعنجهية وتعنت كما كان يفعل دوماً، فهو لا يمكنه سوى أن يكون طاغية قامعة مستبدة حتى الرمق الأخير.
للطغاة العديد من الملامح والسمات والصفات المشتركة، فجميعهم شخصيات أنانية متعجرفة محدودة التفكير متمحورة حول نفسها، ترى شعبها ومواردها مجرد أدوات لتحقيق أحلامها وتنفيذ أطماعها، فهم مسخّرون لخدمتهم ومكلفون بالعمل على راحتهم، هؤلاء الطغاة لا يتمتعون بكفاءات نادرة أو مهارات غير مسبوقة وغير قادرين على التفكير بصورة شاملة أو متكاملة، الكثير منهم يفتقد للقدرة على تحليل الوقائع أو فهم التاريخ واستيعابه، والقيام بعمليات فكرية معقدة تتطلبها مناصبهم الرفيعة، كما أن ما يميز هؤلاء الطغاة هو استماتتهم في الحفاظ على مناصبهم ورفضهم القاطع التنازل عنها ولو على حساب آخر قطرة دم تجري في عروق آخر مواطن، فهم لا يستسلمون بسهولة ولا يتنازلون عما يعتقدونه حقاً مكتسباً لهم ببساطة، ولذلك يقاتلون بشراسة منقطعة النظير عن وجودهم، ويدافعون عن مكانتهم حتى آخر نفس يتردد داخل صدورهم.
لا يمكن حصر عدد الطغاة خلال الحقبة القديمة من التاريخ، لكن يمكننا ذكر بعض منهم في التاريخ الحديث، على الأقل خلال القرن المنصرم، مثل هتلر وموسوليني وصدام حسين والقذافي، ومن خلال استقراء سريع لهؤلاء نستطيع أن نتبين أنهم جميعاً نماذج توافرت فيها تلك السمات على نحو وفير، وعلى الأخص سمة عدم الاستسلام بسهولة، فهتلر على الرغم من تيقنه من هزيمته المدوية لم يفكر في الحفاظ على أرواح جنوده وحقن دمائهم، فعند وصول الحلفاء على أبواب برلين لم تصدر منه سوى دعوات صارخة لمقاومة المحتل حتى النهاية، ومع اشتداد الحصار وتيقنه من الهزيمة على نحو نهائي انتحر وترك شعبه يواجه مصيره الكالح بمفرده، فقد فضل أن يكون طاغية حتى الرمق الأخير مضحياً بكل ما كان من شأنه إنقاذ جنوده من الإعدامات والموت المحقق والذل والنجاة بحياتهم من مستنقع الحرب البائس.
نجد نفس الأمر تكرر مع موسوليني فقد دفعه غروره لاحتلال دول وتسخير شعوبها لنزواته، ومن المؤكد أنه لم يكن يرى نهايته التي اختطها بنفسه، فالطاغية لا يرى أبعد من قدميه، ولعل انهيار إيطاليا من خلال ضربات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية دفعت شعبه للفتك به وإعدامه جزاء له على ما يستحقه من استهانة بأرواحهم واستهتار بدمائهم، نفس الأمر يتكرر مع صدام حسين الرئيس العراقي الأسبق، الذي لم يهتم أدنى اهتمام بجنود جيشه المنهك الذي زج به مرتين في حروب طاحنة في منطقة الخليج العربي، لم يفكر صدام حسين أبداً في مستقبل بلاده، بل أمعن في قسوته واعتبر كل من يعترض على خوض هذه الحرب أو تلك أو يرغب في الانسحاب منها خائناً بامتياز لا يستحق سوى الإعدام.
بالرغم من دعوات المعتدلين لصدام حسين بترك الحكم ومغادرة العراق، فإنه فضّل التعلق بآخر أمل للتشبث بكرسي الحكم كما فعل هتلر، وعلى الرغم من اختلال ميزان القوى العسكرية بينه وبين قوات التحالف في حرب العام 2003، وعلى الرغم من إدراكه أن الهزيمة قادمة لا شك فيها، إلا أنه كان يأمر جنوده بالقتال حتى آخر قطرة من دمهم، وهو ما تسبب في وقوع الكثير من الضحايا الذين كانوا بين مطرقة التحالف وسندان صدام حسين، وقد تساوت أمام كلا الزعيمين – هتلر وصدام – فرص الحياة والموت، بل قد رغب كل منهما من شعبه أن يفني حياته فداء لنزواته، فلِمَ لا يفنى كل شعب مع زعيمه؟ لِمَ يموت القائد ويبقى الشعب الذي لا يساوي شيئاً بدونه؟!
ما سبق وذكرناه يصلح للتطبيق على ما يحدث الآن في إيران، وهو أحد المؤشرات المهمة التي يمكننا من خلالها الاستدلال على سلوكيات نظام طهران خلال الحقبة القادمة، فعقب موجات المظاهرات العارمة التي اجتاحت إيران مؤخراً، وأعقبها قيام النظام بإعدام المتظاهرين وسط سخط وغضب دولي جارف ضد سلوكيات النظام بالغة القسوة، مع اللامبالاة البادية على النظام تجاه هذا الغضب والسخط، يتضح لنا أن دورة جديدة من التاريخ تتكرر أمام أعيننا، فالنظام في إيران لن يستسلم بسهولة أبداً، ولن يرضخ أو ينصاع ببساطة لمظاهر غرق السفينة، فهو على يقين من هزيمته إن لم يكن اليوم فسيكون غداً، وقد تأكد من أن مرور يوم جديد هو شيء ليس في صالحه على الإطلاق، ورغم ذلك لم يتخذ الخطوة الصحيحة، بل نجده وقد سارع بتنفيذ الإعدامات في حق شعبه بدلاً من أن يراجع نفسه أو يعيد ترتيب أوراقه، فهو يسير على درب ارتسمه الطغاة لأنفسهم، سيستمر في انتهاج نفس السياسة الرعناء بصلف وعنجهية وتعنت كما كان يفعل دوماً، فهو لا يمكنه سوى أن يكون طاغية قامعة مستبدة حتى الرمق الأخير.