-A +A
حسين شبكشي
التقيت بالصدفة البحتة مع أحد زملاء المرحلة الدراسية في أروقة معرض جدة الدولي للكتاب، والذي انتهت فعالياته منذ فترة غير بسيطة بنجاح لافت ومميز، فبادرته بالسؤال عن الموضوع الذي يبحث عنه للقراءة فيه. فنظر إليّ وأضاف بهدوء أنه أتى هنا «ليتسلى ويضيع وقته وليغير جو»، واستغربت من رده وسألته ما هو آخر كتاب قرأته فقهقه ضاحكاً وأجاب هل تصدقني عندما أقول لك إنني لم أقرأ أي كتاب منذ تخرجي من الجامعة؟ صعقني وصدمني الرد وبدت على وجهي ملامح حزن لم أستطع إخفاؤها وضحك زميل الدراسة، وأضاف أنا لست بحزين على ذلك فلماذا تحزن أنت يا عزيزي.

أدرك تماماً أن القراءة لا تستهوي كل الناس، وأن هناك من يعشقها وهناك من لا يطيقها. ولكن الثقافة باتت اليوم غذاء الروح وسلاح العقل، وكما يحرص الإنسان على تنفّس الهواء وأكل الغذاء وشرب الماء عليه أن تكون مسؤولية تثقيف الذات في نفس المكانة؛ لأن تثقيف الذات لا يقل أهمية عن تغذية الجسد.


قيل قديماً في الأثر «اطلب العلم من المهد إلى اللحد»، واليوم مع ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات الحديثة لم يعد هناك أي نوع من الأعذار لعدم تطوير الإنسان لثقافته وتحسين إرثه المعرفي وعليه يصبح في هذه الحالة الجهل اختياراً.

يقول الكاتب الأمريكي اي. سي جرايلينج في كتابه الممتع «آفاق المعرفة» إن العلم لا حدود له والمعرفة أشبه بالبحر الذي لا قرار له ومسيرة تعلم الإنسان إذا رغب لن تنتهي إلا برحيله عن الدنيا. وهناك من الناس الجادة التي تتعامل مع تحدي تثقيف الذات بشكل حقيقي فتضع لنفسها البرنامج الدقيق المتضمن أهدافاً لتثقيف الذات في مواضيع محددة بدقة مسبقاً ويشترط قراءة صفحات معينة، وأن تكون هناك معلومات قابلة للقياس تم تعلمها يومياً. هي أشبه بمن يتحكم بمنظومته الغذائية ويراقب بحرص شديد جداً كمية السعرات الحرارية التي يتم تناولها يومياً أو عدد الخطوات التي يسير فيها يومياً لحرق السعرات الحرارية. جدول دقيق لتثقيف الذات يتم تطبيقه بشكل دقيق وجاد. في عالم الفضاء المفتوح وشبكة الإنترنت العريضة التي تتيح الوصول إلى أي معلومة في وقت قياسي محزن لمن لا يستغل هذه الفرصة ويغتنمها لتطوير ثقافته وكسر حواجز الجهل عملاً بالآية الكريمة (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).