-A +A
أريج الجهني
«ذكاءٌ اصطناعي، وواقعٌ افتراضي، ومركباتٌ ذاتية القيادة، وفضاءٌ مأهول بالبشر»، كل هذه التقنيات التي أوشكت أن تكون جزءاً من حياة البشر العادية حيث كانت في الماضي مجرد أفكار أقرب للخيال، لكن تم استثمارها وتطويرها وتنميتها. إن قدرات العقل لا متناهية، وكلنا نعلم أن الغالبية منا لا يستخدمون إلا 1% من أدمغتهم كما يقال بالقدم. إن الدماغ الذي لا يتجاوز وزنه كيلو وربع قد يزن بلداً كما يقول إخوتنا المصريون، وقد يكون أخف من الريشة. ما بين دماغك الأعلى أو الأسفل، الأيمن أو الأيسر أنت تفكر!. نعم تفكر وملايين العمليات التي لا تتصورها تحدث في أقل من الثانية. لذا مع إدراك هذا الواقع مهم أن تتصور ما مستقبل العالم إن فعّلنا أدمغتنا بالفعل؟ وهل يمكن أن يكون مستقبلنا «فكرة»؟

يقول الكاتب الأمريكي الشهير روبرت غرين في كتابه «الإتقان» ان العلاقة المبتكرة تجاه الزمن أدت إلى تغير جذري في العقل البشري نفسه ومنحته استعداداً فطرياً للتميز وكيف ننظر بشكل أكثر عمقاً ونمارس أعمالنا بمهارة أكثر دون أن نشعر بالارتباك، واليوم وفي وطن العلم والمعرفة (لا مكان للمستحيل) وكل ما مررنا به من التغيُّرات اقتصاديّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً النوعية وما تم تحديث بنيته التنظيمية والتشريعية، في إطار رؤية المملكة الواعدة 2030، التي أؤكد أن آثارها لن تكون على وطننا فقط، ولكن ستكون سبباً في انطلاق وطننا إلى التأثير في العالم ومستقبله بشكل عملي وجاد. نشهد إطلاق ولي العهد -قبل أيام- الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، التي سيكون لها دور كبير في تسريع وتيرة تدفق الأفكار، وتطبيقها، لا من أجل اللحاق بالمستقبل فحسب، بل من أجل صناعته أيضاً، وأخذ مقعد القيادة في عربة المستقبل.


هنا أعود لأذكّر القراء الكرام بمفهومي حول «الدور الاجتماعي» نعم لعقلك ثمن! نعم لتفكيرك قيمة، نعم لفكرتك مستقبل أنت قادر وأنت تستطيع. لكن الشرط الأساسي هو التأكد الواعي من فهمنا لدور الابتكار والإبداع في خلق واقع أفضل ومستقبل مشرق ليس لنا فحسب لكن للإنسانية جمعاء، وبما أن المملكة وجهود القيادة الرشيدة تتوجه للريادة، وأن تكون بلادنا سبّاقة بالتقدم وقيادة قاطرة الحضارة في العالم بأكمله، من هنا جاء العمل لوضع أطر شرعية للإبداع والابتكار لرعايته وتنمية البيئة الصالحة لكي ينمو الخيال فيها ويزدهر، بالإضافة لتقديم الدعم والاستشارات والتدريب الملائم. فلا خوف ولا قلق من (سرقة الأفكار أو حتى تحريفها).

وتعتبر المملكة من أول الدول في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط التي وضعت استراتيجية وطنية للملكية الفكرية، ويضاف ذلك إلى الجهود التي بذلتها المملكة خلال السنوات الأخيرة منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، حيث تأسست الهيئة السعودية للملكية الفكرية -بصفتها الجهة الرسمية الوحيدة ذات الاختصاص بتنظيم جميع مجالات الملكية الفكرية في المملكة- حيث عملت على تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية في هذا المجال، كما تم التوقيع على الاتفاقات الدولية ذات العلاقة بالملكية الفكرية.

اليوم، وبإطلاق هذه الاستراتيجية وبالتكامل مع باقي الخطوات يمكننا القول إن الواقع أصبح ملائماً لاستقطاب الاستثمارات القائمة على الملكية الفكرية، والوضع أصبح مناسباً للمبتكرين والمبدعين لإخراج إبداعاتهم وابتكاراتهم، في جو من الحماية والدعم والتحفيز، ليبدأ بلدنا عصراً جديداً أساسه الأفكار وقوامه الإبداع والابتكار.

والنصيحة التي أودّ توجيهها بهذه المناسبة، إلى شبابنا وبناتنا أن يستفيدوا من هذه التطورات وتنمية قدراتهم ليواكبوا هذه التغيرات، فأبواب المستقبل مفتوحة لأصحاب الأفكار والمبدعين في كافة المجالات، ومن خلال معاصرة أجيالنا الجديدة أكاد أجزم أن لديهم الكثير والكثير ليقدموه لأنفسهم ولنا وكلنا ثقة بهم.

وهذه النصيحة أيضاً موجهة لكل أب وأم وكل معلم ومعلمة أن يتعرفوا أكثر على كل جديد وأن يبذلوا الجهد لإعداد أبنائهم وبناتهم وطلابهم وطالباتهم بالوعي والمعرفة والقدرة على الإبداع، فأفكارهم اليوم هي مستقبل الغد. كونوا بخير..