عشية يوم 16 يناير 1979م، بقيت طائرة الشاه تحلّق طويلاً فوق الأقطار المجاورة لإيران تبحث عن مطار يقبل هبوطها فيه، الكل كان مصاباً بالصدمة، مدهوشاً في تلك اللحظة التاريخية من الموقف الأمريكي والغربي عموماً، كيف يعقل أن يتخلوا عن واحد من أهم حلفائهم، بل شرطيّهم الذي لطالما هددوا به الجميع.
غادر الشاه وحرمه مطار طهران تلفهما المخاوف من مستقبل مجهول، إنه نفسه «رضا بهلوي» الذي احتفل قبل عدة أعوام بأكثر المناسبات التي عرفتها البشرية بذخاً، والذي توج نفسه خلالها إمبراطوراً أو «شاهٍ شاه» مستعيداً تاريخ فارس وملوكها الساسانيين.
لم يكن ليفعل ذلك الشاه لولا ثقته في دولته الصلبة ومكانته الرفيعة لدى الغرب، الذين تقاطروا إلى خارج طهران حيث مقر الاحتفال، مشاركين ومباركين له.
المثير أن الشاه قاد بنفسه طائرة الرحيل التي كانت ذاهبة في طريق بلا رجعة، بقي الشاه المتعب الموجوع من خيانة واشنطن، محلّقاً في الفضاء يبحث عمن يستقبله، فضاقت عليه الأرض بما رحبت، حتى قبِل الرئيس المصري محمد أنور السادات أن يحط رحاله في مصر، وأُرسل من فوره إلى أسوان ليستقر فيها لفترة وجيزة.
في كتابه (رحلة الشاه الأخيرة) يفضح الكاتب «وليام شوكروس» الوجه القبيح للسياسات الغربية، التي تتسم بكثير من الخذلان والخيانة، بعدما كان الشاه طوال حكمه حليفاً غربياً مخلصاً وخصوصاً مع الأمريكان، بل وصِف بأنه كان يأتمر بأمر المخابرات الأمريكية والبريطانية بشكل مباشر وينفذ سياساتها في المنطقة المضطربة ويحمي مصالحها، وحين أسقطه الخميني عن عرشه عامله الغرب بازدراء، ونكران وجحود لا كحليف مخلص، ولذلك ظل الشاه منذ مغادرته طهران حتى موته في 27/7/1980م، متنقلاً يبحث عن ملجأ يقضي فيه بقية أيام حياته، بعدما رفضوا حتى أن يقيم في بلادهم.
لا شك أن الإيرانيين الذين يطوفون شوارع طهران وبقية المدن الإيرانية بحثاً عن الانعتاق من عبودية الملالي الذين ساموهم سوء العذاب، يتساءلون: هل حالهم اليوم أفضل مما كانوا عليه وقت حكم «الشاه»، دعوني أشير إلى معيار واحدٍ يغطي الإجابة، لقد كان السيّاح الإيرانيون يجوبون العالم، يقضون إجازاتهم في أمريكا وأوروبا، فالتأشيرات متاحة لشعب لا يبحث عن اللجوء ولا عن فرص عمل خارج بلاده، بينما يتمنى اليوم الهروب عن حياة هي أقرب للموت منها للحياة، كما ترفض كل الدول الغربية منحه تأشيرة وتتحفّظ بقية دول العالم خوفاً من الاختراقات الأمنية والعمليات الإرهابية التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني، أما حجاج إيران فقد كانوا إلى بداية الثورة المشؤومة نهاية السبعينات الميلادية، أغنى الحجاج المسلمين وأوفرهم أموالاً، ويتسابق عليهم جميع مزودي الخدمات في المدن المقدسة، أما اليوم فهم من أفقر بعثات الحجيج.
الأمر الأكثر مرارة أن الغربيين الذين حضروا حفله الإمبراطوري 73 مهنئين له ومشاركين فرحته، وفي الوقت نفسه كانوا يحضّرون لبديله الخميني ويجتمعون معه في بيته الفاره في باريس.
لقد فهم حلفاء وأصدقاء أمريكا أن واشنطن أقرب للخيانة وبيع الأصدقاء منها للحفاظ على الشراكة، وأن تقلّب مزاج السياسة الأمريكية لا يمكن الوثوق فيه، وعلى الدول أن تبحث عن مصالحها وتبني تحالفاتها السياسية والاقتصادية والأمنية بدون تعويل على دولة، تمد قبضتها كصديق، بينما هي تخفي خنجرها المسموم خلف ظهرها كعدو.
السعودية في تحركاتها «البرغماتية» في السياسة الخارجية والاقتصادية والأمنية، لا تبنيها على ردود الفعل، بل على رؤية واضحة تستند على خبراتها الطويلة الممتدة لثلاثة قرون في التعامل مع الأصدقاء والأعداء، وكذلك على تجارب الآخرين الذين صدّقوا الأمريكي، ومنهم الشاه في طهران، وحسني مبارك الذي قال بعدما شهد خيانتهم: «المتغطي بالأمريكان عريان»، ولذلك لن تكون الرياض «طهران» جديدة تنتظر حتى يخونها الأمريكي.
غادر الشاه وحرمه مطار طهران تلفهما المخاوف من مستقبل مجهول، إنه نفسه «رضا بهلوي» الذي احتفل قبل عدة أعوام بأكثر المناسبات التي عرفتها البشرية بذخاً، والذي توج نفسه خلالها إمبراطوراً أو «شاهٍ شاه» مستعيداً تاريخ فارس وملوكها الساسانيين.
لم يكن ليفعل ذلك الشاه لولا ثقته في دولته الصلبة ومكانته الرفيعة لدى الغرب، الذين تقاطروا إلى خارج طهران حيث مقر الاحتفال، مشاركين ومباركين له.
المثير أن الشاه قاد بنفسه طائرة الرحيل التي كانت ذاهبة في طريق بلا رجعة، بقي الشاه المتعب الموجوع من خيانة واشنطن، محلّقاً في الفضاء يبحث عمن يستقبله، فضاقت عليه الأرض بما رحبت، حتى قبِل الرئيس المصري محمد أنور السادات أن يحط رحاله في مصر، وأُرسل من فوره إلى أسوان ليستقر فيها لفترة وجيزة.
في كتابه (رحلة الشاه الأخيرة) يفضح الكاتب «وليام شوكروس» الوجه القبيح للسياسات الغربية، التي تتسم بكثير من الخذلان والخيانة، بعدما كان الشاه طوال حكمه حليفاً غربياً مخلصاً وخصوصاً مع الأمريكان، بل وصِف بأنه كان يأتمر بأمر المخابرات الأمريكية والبريطانية بشكل مباشر وينفذ سياساتها في المنطقة المضطربة ويحمي مصالحها، وحين أسقطه الخميني عن عرشه عامله الغرب بازدراء، ونكران وجحود لا كحليف مخلص، ولذلك ظل الشاه منذ مغادرته طهران حتى موته في 27/7/1980م، متنقلاً يبحث عن ملجأ يقضي فيه بقية أيام حياته، بعدما رفضوا حتى أن يقيم في بلادهم.
لا شك أن الإيرانيين الذين يطوفون شوارع طهران وبقية المدن الإيرانية بحثاً عن الانعتاق من عبودية الملالي الذين ساموهم سوء العذاب، يتساءلون: هل حالهم اليوم أفضل مما كانوا عليه وقت حكم «الشاه»، دعوني أشير إلى معيار واحدٍ يغطي الإجابة، لقد كان السيّاح الإيرانيون يجوبون العالم، يقضون إجازاتهم في أمريكا وأوروبا، فالتأشيرات متاحة لشعب لا يبحث عن اللجوء ولا عن فرص عمل خارج بلاده، بينما يتمنى اليوم الهروب عن حياة هي أقرب للموت منها للحياة، كما ترفض كل الدول الغربية منحه تأشيرة وتتحفّظ بقية دول العالم خوفاً من الاختراقات الأمنية والعمليات الإرهابية التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني، أما حجاج إيران فقد كانوا إلى بداية الثورة المشؤومة نهاية السبعينات الميلادية، أغنى الحجاج المسلمين وأوفرهم أموالاً، ويتسابق عليهم جميع مزودي الخدمات في المدن المقدسة، أما اليوم فهم من أفقر بعثات الحجيج.
الأمر الأكثر مرارة أن الغربيين الذين حضروا حفله الإمبراطوري 73 مهنئين له ومشاركين فرحته، وفي الوقت نفسه كانوا يحضّرون لبديله الخميني ويجتمعون معه في بيته الفاره في باريس.
لقد فهم حلفاء وأصدقاء أمريكا أن واشنطن أقرب للخيانة وبيع الأصدقاء منها للحفاظ على الشراكة، وأن تقلّب مزاج السياسة الأمريكية لا يمكن الوثوق فيه، وعلى الدول أن تبحث عن مصالحها وتبني تحالفاتها السياسية والاقتصادية والأمنية بدون تعويل على دولة، تمد قبضتها كصديق، بينما هي تخفي خنجرها المسموم خلف ظهرها كعدو.
السعودية في تحركاتها «البرغماتية» في السياسة الخارجية والاقتصادية والأمنية، لا تبنيها على ردود الفعل، بل على رؤية واضحة تستند على خبراتها الطويلة الممتدة لثلاثة قرون في التعامل مع الأصدقاء والأعداء، وكذلك على تجارب الآخرين الذين صدّقوا الأمريكي، ومنهم الشاه في طهران، وحسني مبارك الذي قال بعدما شهد خيانتهم: «المتغطي بالأمريكان عريان»، ولذلك لن تكون الرياض «طهران» جديدة تنتظر حتى يخونها الأمريكي.