أنشئ حلف شمال الأطلسي (NATO) كما هو معروف يوم 4/ 4/ 1949م، للدفاع عن الغرب المتنفذ وتوابعه، ضد ما يهددهم من أخطار، وفي مقدمتها الخطر الشيوعي الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي السابق. وقام هذا الحلف العسكري -أساساً- أثناء صراع الدولتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي). كان تأسيسه سبباً، ونتيجة، للحرب الباردة التي اندلعت بين هذين الطرفين. وكرد فعل على قيام حلف «ناتو»، أنشأ الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه حلف وارسو يوم 14/ 5/ 1955م. وأصبح هناك معسكران متنافران متضادان (القطبية الثنائية)، يسيطران على العالم، المعسكر الغربي (ناتو) بقيادة الولايات المتحدة، والمعسكر الشرقي (حلف وارسو) بزعامة الاتحاد السوفييتي.
كان هدف حلف ناتو، وما زال، هو: الحفاظ على حرية وأمن أعضائه، كما جاء في الموقع الإلكتروني الخاص بالحلف، ومقره بروكسل. فالحلف يعبر عن: «التزامه بالقيم الديموقراطية، وتقاسم الموارد التي من شأنها تعزيز الدفاع والأمن للدول الأعضاء، من خلال منع وإيقاف الصراعات، مع التأكيد على أن استخدامه للعمل العسكري لا لبس فيه، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية». ذلك مما جاء في النظام الأساسي للحلف. ولكن سلوك هذا الحلف يؤكد، يوماً بعد يوم، سعيه للهيمنة العالمية، وتعزيز قبضة أمريكا على العالم، عبر إبقاء النظام العالمي أحادي القطبية.
ويوما 3-4 ديسمبر 2019م، عقد الحلف اجتماعه السنوي على مستوى رؤساء الدول الأعضاء، قرب لندن، واحتفل بمرور سبعين عاما على إنشاء الحلف. وفي هذا العام، عقد اجتماعه السنوي، في جو ملبد بغيوم حرب لا تبقي ولا تذر مع روسيا، بسبب غزوها لأوكرانيا. وتبارى الأعضاء في التنديد بروسيا، وفرض العقوبات القاسية عليها، مجاراة للموقف الأمريكي. كان اجتماع حرب غير مباشرة يخوضها هذا الحلف بإصرار واندفاع ضد روسيا. ولم تصدر عن الحلف، حتى الآن، ورغم مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع هذه الحرب أي بادرة سلام، أو رغبة في التهبيط، والسعي لحل سلمي للنزاع الروسي - الأوكراني.
****
لقد أكد أعضاء ناتو، وزعيمته، بأنه تحالف عسكري - استراتيجي، أنشئ بموجب معاهدة شمال الأطلسي، التي تعرف أيضا بمعاهدة واشنطن. كما أكدوا، ضمناً، بأن حلفهم باق، وسيتطور، ولن يتوانى عن سعيه للهيمنة الكونية. ومعروف أن أعضاءه الأصليين 16 دولة، هي: بلجيكا، أمريكا، فرنسا، الدنمارك، كندا، ايسلندا، إيطاليا، لوكسمبرج، هولندا، النرويج، البرتغال، بريطانيا. ثم انضمت إليه في ما بعد اليونان، تركيا، ألمانيا الغربية (ألمانيا)، إسبانيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي التحقت به 13 دولة، كانت أعضاء في حلف وارسو، وهي: تشيك، المجر، بولندا، بلغاريا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، ألبانيا، كرواتيا، الجبل الأسود...؟! أي أن عدد أعضائه الآن وصل إلى 29 دولة، حوالي نصفهم كانوا أعضاء في حلف وارسو. وسيصل إلى 32 دولة عندما تنضم إليه رسميا جمهورية شمال مقدونيا، وكل من السويد وفنلندا، قريباً.
****
وبعد انهيار المعسكر الشرقي، وزوال الاتحاد السوفييتي عام 1991م، توقع الكثير من المراقبين والخبراء المتخصصين أن يصفى حلف ناتو، وينتهي، أو تحدد مهماته، بسبب زوال العدو الأكبر للحلف، والسبب المباشر لقيامه وتأسيسه. ولكن حلف ناتو استمر، بل وتصاعدت قوته، وتمدد شرقا، ليضم في عضويته دولاً كانت بالأمس في صف العدو اللدود. وأكثر ما يثير الاستغراب، ويعبر عن القلق نتيجة لهذا التطور غير المتوقع، هو الاتحاد الروسي، وريث الاتحاد السوفييتي السابق. فلقد توسع حلف ناتو شرقاً... تجاه روسيا، حتى أصبح طول الحدود المتاخمة بين دوله وروسيا 1600 كيلومتر، بعد أن كانت حوالي 700 كيلومتر. وسيزداد هذا الطول أكثر قريباً.
ومعروف أن روسيا، رغم كونها دولة أوروبية كبرى، إلا أن هناك عداء أوروبياً - أمريكياً تاريخياً وعقائدياً تقليدياً لها. فعلى مدار التاريخ الحديث والمعاصر، كانت هناك صراعات وحروب شعواء بين روسيا والدول الأوروبية الكبرى. وكان هناك اجتياح عسكري روسي لبعض بلدان أوروبا المجاورة لروسيا. وساهم قيام «الشيوعية» في روسيا، في الفترة 1917 – 1991م، وهيمنتها (السوفيتية) على أوروبا الشرقية، في جعل روسيا في عداء مع ما يعرف بـ«الديمقراطيات» الغربية، ورثته روسيا، رغم تخليها عن التوجه الشيوعي الماركسي، وتبنيها للتعدد الحزبي.
وبعد زوال الاتحاد السوفييتي، يقال إن روسيا طلبت حل الناتو، أو الانضمام له. فرفض طلبها، لكونها دولة منافسة. ثم طالبت روسيا بعدم توسع حلف «ناتو» شرقاً تجاهها، خاصة أثناء محادثات «توحيد ألمانيا». ووعد الأمريكيون، وبقية الحلفاء، بعدم التوسع شرقاً، و«لا بوصة واحدة»، كما وعد الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب. ولكن الغرب نكث بوعده، واستغل ضعف روسيا، وانشغالها في الفترة الانتقالية، ليتمدد على كل حدود روسيا الغربية. ولم تكن روسيا وحدها في معارضة هذا التوسع في فضاء الناتو، بل كان معها بقية خصوم الغرب، ومنافسيه، وخاصة الصين.
طبعا، كل الدول الثلاث عشرة التي ضمها ناتو هي دول قريبة -جيوسياسيا- من روسيا. ولكن أكثرها قرباً هي أوكرانيا، التي ما زال يحاول ضمها للحلف، ليس محبة في الأوكرانيين، وإنما نكاية في الروس، وطمعا في التمترس العسكري على بوابة روسيا الجنوبية الغربية. وقصة أوكرانيا أضحت معروفة عالمياً. فماذا عن جمهوريات البلطيق الثلاث، وحلف ناتو؟! هذا ما سوف نوجزه في مقالنا القادم.
كان هدف حلف ناتو، وما زال، هو: الحفاظ على حرية وأمن أعضائه، كما جاء في الموقع الإلكتروني الخاص بالحلف، ومقره بروكسل. فالحلف يعبر عن: «التزامه بالقيم الديموقراطية، وتقاسم الموارد التي من شأنها تعزيز الدفاع والأمن للدول الأعضاء، من خلال منع وإيقاف الصراعات، مع التأكيد على أن استخدامه للعمل العسكري لا لبس فيه، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية». ذلك مما جاء في النظام الأساسي للحلف. ولكن سلوك هذا الحلف يؤكد، يوماً بعد يوم، سعيه للهيمنة العالمية، وتعزيز قبضة أمريكا على العالم، عبر إبقاء النظام العالمي أحادي القطبية.
ويوما 3-4 ديسمبر 2019م، عقد الحلف اجتماعه السنوي على مستوى رؤساء الدول الأعضاء، قرب لندن، واحتفل بمرور سبعين عاما على إنشاء الحلف. وفي هذا العام، عقد اجتماعه السنوي، في جو ملبد بغيوم حرب لا تبقي ولا تذر مع روسيا، بسبب غزوها لأوكرانيا. وتبارى الأعضاء في التنديد بروسيا، وفرض العقوبات القاسية عليها، مجاراة للموقف الأمريكي. كان اجتماع حرب غير مباشرة يخوضها هذا الحلف بإصرار واندفاع ضد روسيا. ولم تصدر عن الحلف، حتى الآن، ورغم مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع هذه الحرب أي بادرة سلام، أو رغبة في التهبيط، والسعي لحل سلمي للنزاع الروسي - الأوكراني.
****
لقد أكد أعضاء ناتو، وزعيمته، بأنه تحالف عسكري - استراتيجي، أنشئ بموجب معاهدة شمال الأطلسي، التي تعرف أيضا بمعاهدة واشنطن. كما أكدوا، ضمناً، بأن حلفهم باق، وسيتطور، ولن يتوانى عن سعيه للهيمنة الكونية. ومعروف أن أعضاءه الأصليين 16 دولة، هي: بلجيكا، أمريكا، فرنسا، الدنمارك، كندا، ايسلندا، إيطاليا، لوكسمبرج، هولندا، النرويج، البرتغال، بريطانيا. ثم انضمت إليه في ما بعد اليونان، تركيا، ألمانيا الغربية (ألمانيا)، إسبانيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي التحقت به 13 دولة، كانت أعضاء في حلف وارسو، وهي: تشيك، المجر، بولندا، بلغاريا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، ألبانيا، كرواتيا، الجبل الأسود...؟! أي أن عدد أعضائه الآن وصل إلى 29 دولة، حوالي نصفهم كانوا أعضاء في حلف وارسو. وسيصل إلى 32 دولة عندما تنضم إليه رسميا جمهورية شمال مقدونيا، وكل من السويد وفنلندا، قريباً.
****
وبعد انهيار المعسكر الشرقي، وزوال الاتحاد السوفييتي عام 1991م، توقع الكثير من المراقبين والخبراء المتخصصين أن يصفى حلف ناتو، وينتهي، أو تحدد مهماته، بسبب زوال العدو الأكبر للحلف، والسبب المباشر لقيامه وتأسيسه. ولكن حلف ناتو استمر، بل وتصاعدت قوته، وتمدد شرقا، ليضم في عضويته دولاً كانت بالأمس في صف العدو اللدود. وأكثر ما يثير الاستغراب، ويعبر عن القلق نتيجة لهذا التطور غير المتوقع، هو الاتحاد الروسي، وريث الاتحاد السوفييتي السابق. فلقد توسع حلف ناتو شرقاً... تجاه روسيا، حتى أصبح طول الحدود المتاخمة بين دوله وروسيا 1600 كيلومتر، بعد أن كانت حوالي 700 كيلومتر. وسيزداد هذا الطول أكثر قريباً.
ومعروف أن روسيا، رغم كونها دولة أوروبية كبرى، إلا أن هناك عداء أوروبياً - أمريكياً تاريخياً وعقائدياً تقليدياً لها. فعلى مدار التاريخ الحديث والمعاصر، كانت هناك صراعات وحروب شعواء بين روسيا والدول الأوروبية الكبرى. وكان هناك اجتياح عسكري روسي لبعض بلدان أوروبا المجاورة لروسيا. وساهم قيام «الشيوعية» في روسيا، في الفترة 1917 – 1991م، وهيمنتها (السوفيتية) على أوروبا الشرقية، في جعل روسيا في عداء مع ما يعرف بـ«الديمقراطيات» الغربية، ورثته روسيا، رغم تخليها عن التوجه الشيوعي الماركسي، وتبنيها للتعدد الحزبي.
وبعد زوال الاتحاد السوفييتي، يقال إن روسيا طلبت حل الناتو، أو الانضمام له. فرفض طلبها، لكونها دولة منافسة. ثم طالبت روسيا بعدم توسع حلف «ناتو» شرقاً تجاهها، خاصة أثناء محادثات «توحيد ألمانيا». ووعد الأمريكيون، وبقية الحلفاء، بعدم التوسع شرقاً، و«لا بوصة واحدة»، كما وعد الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب. ولكن الغرب نكث بوعده، واستغل ضعف روسيا، وانشغالها في الفترة الانتقالية، ليتمدد على كل حدود روسيا الغربية. ولم تكن روسيا وحدها في معارضة هذا التوسع في فضاء الناتو، بل كان معها بقية خصوم الغرب، ومنافسيه، وخاصة الصين.
طبعا، كل الدول الثلاث عشرة التي ضمها ناتو هي دول قريبة -جيوسياسيا- من روسيا. ولكن أكثرها قرباً هي أوكرانيا، التي ما زال يحاول ضمها للحلف، ليس محبة في الأوكرانيين، وإنما نكاية في الروس، وطمعا في التمترس العسكري على بوابة روسيا الجنوبية الغربية. وقصة أوكرانيا أضحت معروفة عالمياً. فماذا عن جمهوريات البلطيق الثلاث، وحلف ناتو؟! هذا ما سوف نوجزه في مقالنا القادم.