-A +A
هيلة المشوح
أثارت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض مطلع ديسمبر الماضي جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الإيرانية خصوصاً بعد صدور البيان الختامي للقمة الخليجية الصينة الذي نص على بنود غاية في الأهمية للخليج وغاية في الإحباط للجانب الإيراني باعتبار بنود البيان تعد انحيازاً صينياً إلى مواقف دول الخليج على حساب مصالح إيران، والتي جاء فيها ضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وأهمية الحوار الشامل بمشاركة دول المنطقة لمعالجة الملف النووي الإيراني، والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار، والتصدي لدعم الجماعات الإرهابية والطائفية والتنظيمات المسلحة غير الشرعية، ومنع انتشار الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وضمان سلامة الملاحة الدولية والمنشآت النفطية، والالتزام بالقرارات الأممية والشرعية الدولية، ودعم الإمارات في حل قضية الجزر الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى من خلال المفاوضات الثنائية وفقاً لقواعد القانون الدولي، وهذه البنود بالطبع قد أثارت ردود أفعال كبيرة صرحت وزارة الخارجية الإيرانية على إثرها بأن السفير الصيني في طهران زار مقرها ليستمع إلى «الاستياء الإيراني القوي» دون استخدام أي مصطلحات تصعيدية كالاستدعاء أو الشجب نظراً لتمسك طهران بتعزيز علاقاتها الإستراتيجية بالصين وحاجة إيران للصين أكثر من حاجة الصين لها، فضلاً عن اتفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة على امتداد 25 عاماً والذي تم توقيعه بين البلدين عام 2016.

تشكل العقوبات الدولية على إيران إزاء برنامجها النووي حالة من القلق للدول التي تربطها بإيران علاقات من أي نوع كان ومهما كانت عميقة وقوية، والصين ليست استثناء بل إنها من الدول التي تحرص دائماً على تحالفات آمنة ومستقرة وضامنة لعدم تأثرها سياسياً جراء تلك العلاقات، وتاريخ العلاقات الصينية الإيرانية يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي مرت خلاله بصعوبات وتحديات خارجية عرقلت كثيراً من تحولها إلى شراكة إستراتيجية قوية لتأثرها صعوداً وهبوطاً تبعاً لسياسات إيران العدائية دولياً بشكل عام وبشكل خاص السياسة الأمريكية ومواقفها من إيران على مختلف إداراتها خلال تلك المدة، هذا فضلاً عن الثقة التي لم ولن تكتمل من الجانب الإيراني إزاء الصين لدعم الأخيرة في عدة مناسبات للعقوبات الدولية على إيران وموقف الصين الواضح إزاء البرنامج النووي الإيراني.


لمنطقة الشرق الأوسط أهمية إستراتيجية وسياسية حيث كانت مسرحاً سياسياً منذ بداية نشوء الحضارات وحتى يومنا هذا التي أصبحت به مركزاً للتحولات والتفاعلات بين القوى العظمى ومحطة هامة لتشكيل التحالفات ورسم خرائط النفوذ وتسوية الصراعات أو تأجُج الأزمات بين تلك القوى في الوقت الذي تتلاطم فيه أمواج السياسة العالمية بين انقسامات ومعسكرات وتحالفات وأحداث وصراعات من شأنها إعادة رسم خارطة جديدة للقوى والتوازنات سواء على مستوى الشرق الأوسط أو على مسرح السياسة العالمي، وهذه الأهمية كانت دافعاً قوياً لدولة كبرى كالصين في تعزيز التقارب مع دول المنطقة وتفعيل الدور الصيني في تحالفات تنقل التعاون من مرحلة النمو إلى مرحلة الإرساء وتكريس التعاون وتبادل المصالح، لذلك لم تكن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض زيارة اعتيادية بل كانت زيارة بالغة الأهمية وذات أبعاد سياسية واقتصادية عميقة ترسي لمرحلة مفصلية في المنطقة في ظرف جيوسياسي متوتر وحساس ومتغيرات دولية وإقليمية مهمة لتؤسس لبداية مختلفة من الشراكات الإستراتيجية على كافة الأصعدة، فالرؤى السياسية بين الجانب العربي والصيني سلسة وأكثر وضوحاً، وأيضاً متقاربة من ناحية الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب والتخلص من هيمنة نظام القطب الأوحد الذي كان سائداً منذ انتهاء الحرب الباردة والذي كان سبباً في العديد من الصراعات والتحولات الجيوسياسية التي انعكست سلباً على منطقة الشرق الأوسط وأهمها حرب العراق والمآلات المؤسفة التي وصلت إليها خلال السنوات الماضية، وأحداث ما سمّي بالربيع العربي الدامية التي انتهت بكوارث لاتزال المنطقة تجمع شتاتها وتداوي جراحها جراء تلك العبثيات ذات البواعث السياسية التخريبية!