-A +A
عبده خال
كان الفلاسفة (عبر الأزمان) يعتبرون العامة هم من انتهج الفكر البسيط مكونين مكنة أو مضخة لنقل الأحاديث الرخوة من غير تمحيص، وعادة يكونون وسيطاً جيداً لنقل الاتهامات، وهذا الاعتبار تم بناؤه على ما يجدون من تنكيل وإسفاف بأفكارهم حين يتم الاستناد على العامة في محاربة أي فكرة فلسفية أو مغايرة للسائد.

وفي العصور الماضية تمّت محاربة الفلاسفة أو أصحاب الفكر النيّر بأنهم زنادقة مبتدعون وأصحاب رؤى فاسدة، هذه التهم يحرص العامة على نقلها والتواصي بنبذ فكرة أو عالم أو مفكر، وفعلياً تقوم فئة (السمعية) أو الناقلون بإشاعة ما يسمعون ولا يعنيهم فحص ما يقولونه سواء أكان حسناً أو رديئاً، إلا أن القاعدة تقاسمها أصحاب الرأي السديد باعتبار العامة هي الداء، والغوغاء أو رعاع أو سقط القوم، قابل هذه التهم ما يقوله العامة أن المفكرين ما هم إلا أناس خارج التوقيت وليس لهم من شيء سوى دلق الكلمات.. والحكمان يسقطان في التعميم ويجافيان الحقيقة.


وفي زمن متأخر ظهرت مفردة النخبة، وتعني أصحاب الرأي السديد من فلاسفة ومفكرين، ومثقفين، وأدباء. ومفردة النخبة كان ظهورها ملتصقاً بمجموعة صغيرة من الأشخاص المسيطرين على الحياة الاجتماعية، ولها المقدرة الفاعلة في التأثر ولديها قدرة التغير أكثر من غيرها.

وحدث أيضاً استلال هذه المفردة (النخبة) من أصحابها والتصق بها الكتّاب والمفكرون واعتبار بقية الناس عامة (استحياء من القول إنهم غوغائيون)، وكذلك تم تشطير مفردة النخبة، فيقال: النخبة السياسية والنخبة الاقتصادية والنخبة الاجتماعية.

وهذه النعرات الثقافية ليست وليدة الحاضر، بل هي متجددة وفق العصر وأحداثه والأفكار التي تنتجها عقول الحكماء أو الفلاسفة الذين لا يظهرون في الصورة وإنما في مقدمة البرواز.

وعندما كتب غوستاف لوبون عالم النفس الاجتماعي الفرنسي (7 مايو ‪1841 - 13‬ ديسمبر 1931) كتابه (سيكولوجية الجماهير) نقله إلى العربية المفكر هاشم صالح.

فهذا الكتاب يعتبره الدارسون هو الركيزة الرئيسة للحكم على الشعوب أو الجماهير كتصنيف معترف به خاصة بعد ظهور علم النفس الاجتماعي.. ومن البديهي أن لوبون حكم على زمنه بظروف ذلك الزمن ولا يمكن اعتبار السيكولوجية النفسية للجماهير نفسية ثابتة، فالمتغيرات مهولة وأدوات الزمن طرأ عليها تغيرات جوهرية، فالناس الآن يعيشون في غرفة واحدة، فهل هذا يعني توحيد آراء العامة؟ بالضرورة لا. إلا أن أهم ما يميز الوقت الراهن في زمن مواقع التواصل الاجتماعي أنها أسقطت النخب، فهل انتصر العامة على تلك العقول التي تعتبر نفسها مسيّرة للجماعات؟

المساحة لا تكفي لزيادة، ربما تكون لي عودة.