كنت مع ابني في طريقنا إلى زيارة أحد الأقارب، نتناقش حول تاريخ الأندية السعودية وانتقالات اللاعبين الدوليين. حين غابت عني معلومة ما، وتشككتُ في صحتها، فطلبت منه أن يفتح الهاتف ويبحث عنها في محرك البحث حتى نتأكد. لكنه أجابني: لِمَ كل هذه الخطوات يا أبي؟ أخرج جواله وتحدث معه في حوار طويل حتى توصل للمعلومة المطلوبة. نعم، تحدث مع الجوال مستخدماً تقنية (المساعد الشخصي الذكي والمتصفح المعرفي)، وهو ما لم يتعلمه في أي مدرسة أو مؤسسة تعليمية، بل لأنها وسيلة سهلة، قريبة منه، ومن طريقة تفكيره. يبدو لي أن هذا هو ديدن الجيل الجديد، جيل التقنية والتطورات المتسارعة، الذي يتماشى مع كل ما هو جديد ومفيد وسهل.
يقودني هذا إلى التفكير في التعليم في وطننا الحبيب، وأرى أن تطور التعليم يعتمد كثيراً على مدى تصورنا لطريقة تفكير أبنائنا، لا كما ما تعلمنا نحن وحسب. أفترض أننا -سواء كنا آباء في المنازل أو أساتذة في المدارس والجامعات- في حاجة لأن نسعى دوماً لتطوير آليات العطاء ومصادر التعلم، وألا نعتمد -فقط- على الطُرق التقليدية في التربية والتدريس والبحث. هذا إن كنا نريد حقاً الارتقاء بمسيرة التعليم في مملكتنا الحبيبة.
تطوير التعليم في رأيي- ليس مهمة وزارة التعليم وحسب، ولا يقتصر على الفصول الدراسية، بل إنه يبدأ بالمعلمين والمعلمات، وبأعضاء وعضوات هيئة التدريس في الجامعات، يتطور البحث والتدريب في المدارس والجامعات اعتماداً على مبادراتكم وحرصكم على العطاء. يتطور التعليم عندما نتحول من التلقين إلى التدريب، ومن التقييم إلى البناء، ومن رصد الدرجات إلى صقل المهارات.
كان التدريس سابقاً يعتمد على نقل المعلومة من ذهن الأستاذ إلى ذهن الطالب، لكن طالب اليوم يملك المعلومة كما يملكها الأستاذ، فلا معنى للتلقين إذن، ويحل محله التدريب وتطوير المهارات. أتحدث هنا عن مهارات البحث في المصادر، والتفكير الناقد التي تمكنه من الحصول على المعلومة وتمحيص، وإدراك مدى صحتها. هذا التنافس بين محركات البحث جعلها توفر المعلومات بطرق مختلفة، وبخيارات متنوعة، حتى أصبحت -هذه المحركات- شبيهة بمنابع للعلوم؛ أي أن الصعوبة اليوم -كما نلاحظ- ليست في الحصول على المعلومة، ولكن الصعوبة في التعامل معها.
وحين أفكّر في الأجيال الجديدة من الطلبة، أدرك أن تطوير التعليم يكون عبر تقريب الطلبة وترغيبهم في العملية التعليمية، وذلك عبر القرب منهم، وتحويل الحصص والمحاضرات إلى لقاءات جاذبة حول المشتركات، بالإضافة -طبعاً- إلى جعل العلاقة بين المعلمين والمتعلمين علاقة احترام ومحبة وقيَم، لا علاقة سلطة، أو لقاء محاسبة ومصلحة فقط.
يفترض بهذا التغيير أن يراعي مستويات التعليم بطبيعة الحال، فالطالب في السنوات الأولى من الدراسة -كما هو معروف- يحتاج من العناية والجهد في التربية أكثر من الطالب في السنوات الأخيرة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تمثّل الجامعة للطالب -مثلاً- حياة جديدة، ومنعطفاً مختلفاً، لا على المستوى العلمي وحسب، بل على المستوى الاجتماعي، والشخصي من حيث بداية الاعتماد على النفس، وبناء الذات والتوجُهات. وهنا يكون التعاون بين الطالب الجامعي وأستاذه أهم في بناء شخصية مواطن يخرج إلى المجتمع، ويؤدي دوره في بناء الوطن. يعمل الطالب مع أستاذه في الجامعة على نقل المعرفة من الكتب (ومصادر المعرفة الأخرى) إلى الواقع، كما يعمل على التطبيق والتدريب الميداني حتى يكون جاهزاً لسوق العمل. كل هذا لن يؤتي ثماره ما لم تكن العلاقة بين الأستاذ والطالب علاقة ثقة وإيمان بقيمة ما يعملان عليه، لا علاقة اختبار، ونجاح أو رسوب فقط. من خلال تجربة متواضعة، أقول إن الطالب الجامعي لا ينسى أبداً ذلك الأستاذ من وقف معه ومد له يد العون والمساعدة حتى تخرج وحقق أمانيه.
تخيل معي -عزيزي القارئ- الفرق بين رحلة طالب جامعي في جامعة مرموقة، يتناقش الأستاذ الجامعي مع طلبته حول آخر أبحاثه، ويستخرج من طلبته الأفكار لتطوير ما توصل إليه، فيجد الطالب نفسه يحاور آخر المستجدات البحثية والمعرفة فيتعلم، ويستفيد، ويصقل شخصيته وفكره، وبين رحلة طالب في جامعة أخرى يكون النقاش فيها محصوراً على: «دكتور هذا معانا في الاختبار»؟
أحبتي الأساتذة.. أحبتي أعضاء هيئة التدريس في الجامعات؛ تعلمون حجم المسؤولية العظيمة التي تقع على عواتقكم في النهوض بوطنكم الغالي، وكلي يقين أنكم تملكون من القدرات ما يكفي للمساهمة في بناء هذا الوطن، وتجهيز هذا الجيل الذي سيحمل الراية، ويبحر في المستقبل المشرق. فلنتعاون جميعاً للارتقاء بالتعليم، وباستراتيجياته ووسائله، وبكل ما من شأنه تحويل عملية التعلم إلى رحلة شغف يخوضها كل طالب وطالبة.
لنتجاوز -أحبتي- نظام الاختبارات الدورية والنهائية لطلبة المراحل المتقدمة، ونصب تفكيرنا في النتاج الوطني الذي يفتخر به الأستاذ الجامعي، ثم الطالب. لننظر أحبتي بعد من تقييم الطلبة في السنة الأخيرة من درجات، إلى ماذا سيقدم للوطن. لنحوّل تركيزنا من تخريج الطلبة من الجامعة، نحو تجهيزهم لخدمة الوطن وسوق العمل. ليكن الهدف استلام عقد التوظيف عوضاً عن تسليم وثيقة التخرج.
هذا ليس طموحاً أو مجرد حلم وحسب، بل هو -كما أراه- واجب وسبب رئيس لوجود الجامعات والمؤسسات التعليمية. نتطور ونسد احتياج الوطن المهني بتغيير أسلوبنا، وتعاملنا مع أبنائنا، الذين سبقونا، ليفكروا بطريقتهم، ووفقاً لزمانهم. فلنعلمهم إذن بطريقة تناسبهم، وتناسب زمانهم، حتى يأتي يومهم المنشود، فيشكروننا.. ويشكرون زماننا.. دمتم بود.
يقودني هذا إلى التفكير في التعليم في وطننا الحبيب، وأرى أن تطور التعليم يعتمد كثيراً على مدى تصورنا لطريقة تفكير أبنائنا، لا كما ما تعلمنا نحن وحسب. أفترض أننا -سواء كنا آباء في المنازل أو أساتذة في المدارس والجامعات- في حاجة لأن نسعى دوماً لتطوير آليات العطاء ومصادر التعلم، وألا نعتمد -فقط- على الطُرق التقليدية في التربية والتدريس والبحث. هذا إن كنا نريد حقاً الارتقاء بمسيرة التعليم في مملكتنا الحبيبة.
تطوير التعليم في رأيي- ليس مهمة وزارة التعليم وحسب، ولا يقتصر على الفصول الدراسية، بل إنه يبدأ بالمعلمين والمعلمات، وبأعضاء وعضوات هيئة التدريس في الجامعات، يتطور البحث والتدريب في المدارس والجامعات اعتماداً على مبادراتكم وحرصكم على العطاء. يتطور التعليم عندما نتحول من التلقين إلى التدريب، ومن التقييم إلى البناء، ومن رصد الدرجات إلى صقل المهارات.
كان التدريس سابقاً يعتمد على نقل المعلومة من ذهن الأستاذ إلى ذهن الطالب، لكن طالب اليوم يملك المعلومة كما يملكها الأستاذ، فلا معنى للتلقين إذن، ويحل محله التدريب وتطوير المهارات. أتحدث هنا عن مهارات البحث في المصادر، والتفكير الناقد التي تمكنه من الحصول على المعلومة وتمحيص، وإدراك مدى صحتها. هذا التنافس بين محركات البحث جعلها توفر المعلومات بطرق مختلفة، وبخيارات متنوعة، حتى أصبحت -هذه المحركات- شبيهة بمنابع للعلوم؛ أي أن الصعوبة اليوم -كما نلاحظ- ليست في الحصول على المعلومة، ولكن الصعوبة في التعامل معها.
وحين أفكّر في الأجيال الجديدة من الطلبة، أدرك أن تطوير التعليم يكون عبر تقريب الطلبة وترغيبهم في العملية التعليمية، وذلك عبر القرب منهم، وتحويل الحصص والمحاضرات إلى لقاءات جاذبة حول المشتركات، بالإضافة -طبعاً- إلى جعل العلاقة بين المعلمين والمتعلمين علاقة احترام ومحبة وقيَم، لا علاقة سلطة، أو لقاء محاسبة ومصلحة فقط.
يفترض بهذا التغيير أن يراعي مستويات التعليم بطبيعة الحال، فالطالب في السنوات الأولى من الدراسة -كما هو معروف- يحتاج من العناية والجهد في التربية أكثر من الطالب في السنوات الأخيرة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تمثّل الجامعة للطالب -مثلاً- حياة جديدة، ومنعطفاً مختلفاً، لا على المستوى العلمي وحسب، بل على المستوى الاجتماعي، والشخصي من حيث بداية الاعتماد على النفس، وبناء الذات والتوجُهات. وهنا يكون التعاون بين الطالب الجامعي وأستاذه أهم في بناء شخصية مواطن يخرج إلى المجتمع، ويؤدي دوره في بناء الوطن. يعمل الطالب مع أستاذه في الجامعة على نقل المعرفة من الكتب (ومصادر المعرفة الأخرى) إلى الواقع، كما يعمل على التطبيق والتدريب الميداني حتى يكون جاهزاً لسوق العمل. كل هذا لن يؤتي ثماره ما لم تكن العلاقة بين الأستاذ والطالب علاقة ثقة وإيمان بقيمة ما يعملان عليه، لا علاقة اختبار، ونجاح أو رسوب فقط. من خلال تجربة متواضعة، أقول إن الطالب الجامعي لا ينسى أبداً ذلك الأستاذ من وقف معه ومد له يد العون والمساعدة حتى تخرج وحقق أمانيه.
تخيل معي -عزيزي القارئ- الفرق بين رحلة طالب جامعي في جامعة مرموقة، يتناقش الأستاذ الجامعي مع طلبته حول آخر أبحاثه، ويستخرج من طلبته الأفكار لتطوير ما توصل إليه، فيجد الطالب نفسه يحاور آخر المستجدات البحثية والمعرفة فيتعلم، ويستفيد، ويصقل شخصيته وفكره، وبين رحلة طالب في جامعة أخرى يكون النقاش فيها محصوراً على: «دكتور هذا معانا في الاختبار»؟
أحبتي الأساتذة.. أحبتي أعضاء هيئة التدريس في الجامعات؛ تعلمون حجم المسؤولية العظيمة التي تقع على عواتقكم في النهوض بوطنكم الغالي، وكلي يقين أنكم تملكون من القدرات ما يكفي للمساهمة في بناء هذا الوطن، وتجهيز هذا الجيل الذي سيحمل الراية، ويبحر في المستقبل المشرق. فلنتعاون جميعاً للارتقاء بالتعليم، وباستراتيجياته ووسائله، وبكل ما من شأنه تحويل عملية التعلم إلى رحلة شغف يخوضها كل طالب وطالبة.
لنتجاوز -أحبتي- نظام الاختبارات الدورية والنهائية لطلبة المراحل المتقدمة، ونصب تفكيرنا في النتاج الوطني الذي يفتخر به الأستاذ الجامعي، ثم الطالب. لننظر أحبتي بعد من تقييم الطلبة في السنة الأخيرة من درجات، إلى ماذا سيقدم للوطن. لنحوّل تركيزنا من تخريج الطلبة من الجامعة، نحو تجهيزهم لخدمة الوطن وسوق العمل. ليكن الهدف استلام عقد التوظيف عوضاً عن تسليم وثيقة التخرج.
هذا ليس طموحاً أو مجرد حلم وحسب، بل هو -كما أراه- واجب وسبب رئيس لوجود الجامعات والمؤسسات التعليمية. نتطور ونسد احتياج الوطن المهني بتغيير أسلوبنا، وتعاملنا مع أبنائنا، الذين سبقونا، ليفكروا بطريقتهم، ووفقاً لزمانهم. فلنعلمهم إذن بطريقة تناسبهم، وتناسب زمانهم، حتى يأتي يومهم المنشود، فيشكروننا.. ويشكرون زماننا.. دمتم بود.