عندما وقعت السنة الماضية زلازل وفيضانات بأفغانستان وتلفت محاصيلها بأسراب الجراد، وحصل شيء مماثل في إيران في كلا البلدين، أولى تصريحات المسؤولين كانت لوم ملابس النساء وخروجهن من البيت دون حاجة ماسة على تلك الكوارث باعتبارها عقوبة من الله، ولا أحد ذكر كل جرائم رجالهم والقتل والتعذيب والحروب والإرهاب والفساد المالي وظلم النساء ووباء اغتصابهم واستعبادهم للأطفال الذكور بأفغانستان، وهذا ليس نمطاً محصوراً بالمجتمعات الإسلامية إنما هو سائد بجميع المجتمعات والثقافات الدينية والتقليدية، وأمثالها التراثية والشعبية تحمّل النساء المسؤولية عن كل المصائب الخاصة والعامة، وأيضا «الأجانب» هم الفئة الأخرى التي تشارك النساء دور الشماعة التي تعلق عليها المسؤولية عن كل المصائب والسوء، وبالتالي يتم اضطهادها ككبش فداء توضع عليه كل خطايا الجميع، ثم يتم البطش به للإيهام بتخليص الجميع من وزر خطاياهم، ولا يقصد بالأجانب فقط الأجانب عن البلد بالجنسية، إنما كل من ليس من العصبة أي الأجنبي عن القبيلة والمنطقة والطائفة وجنسهم وعرقهم، أي المختلفين عموماً بالانتماءات، وهذا الزعم هو وقود الحركات والأحزاب والجماعات المتعصبة الديماغوجية/ الغوغائية اليمينية، فسبب لوم الفئتين على كل المصائب يكمن بآلية حيلة نفسية دفاعية لا واعية يسميها علماء النفس «الإزاحة» وهي أن يصرف الإنسان ردة فعله السلبية على مؤثر سلبي في طرف آخر غير الطرف القوي الذي أوقع عليه المؤثر السلبي، أي إزاحة ردة فعلهم ضد الأقدار والحكومة وعصبتهم والأقوى منهم إلى أطراف ضعيفة، كمثال الذي يسيء مديره معاملته ولا يمكنه الرد عليه فيرجع للبيت ويصرف ردة فعله المستاءة من التعرض لإهانة المدير في زوجته وأولاده بدل المدير؛ لأنه لا عقوبات وخسائر تترتب على تصريفها بالطرف الأضعف، والقيام بتصريفها بطرف بريء لمجرد أنه ضعيف ولا توجد عقوبات على أذيته ليس له فقط غاية تصريف الشحنة الانفعالية، إنما الأهم أن غريزة كبرياء «غرور الأنا» الذي انكسر بعدم القدرة على الانتصار للنفس تحتاج لوهم الفوقية على الآخرين بإساءة معاملتهم لتتوهم أنها ما زالت لها مكانة عليا لم تنكسر؛ ولذا تكون هناك مبالغة بإذلال الطرف الضعيف الذي تمت إزاحة ردة الفعل باتجاهه، و«الإزاحة» سبب ظاهرة لا توجد بكتلة جغرافية كبرى غير العالم العربي وهو تعرض الخادمات لمعاملة قاسية وعنف مادي ونفسي سادي من قبل نساء العائلة يصل لدرجة التسبب بالتشوهات والإعاقات والموت؛ والسبب هو أن النساء العربيات يتعرضن لسوء المعاملة والاضطهاد والقمع والمعاملة الدونية من الأهل والمجتمع، فيقمن بإزاحة ردة فعلهن المستاءة من الأطراف القوية المتورطة باضطهادهن ويصرفن ردة فعلهن بالخادمات وأحيانا الأبناء، والإزاحة أيضاً السبب الرئيسي للتنمر بالمدارس الذي وصل لدرجة قتل أطفال الابتدائية لبعضهم، فالصغير لا يمكنه أن يرد على العنف الأسري الذي يوقعه عليه والداه، فيقوم بتصريف استيائه في أقرانه بالمدرسة وأخواته أو تعذيب وقتل الحيوانات؛ لذا عندما يتم سن قوانين تمنع سوء المعاملة بالبيوت وأماكن العمل وكل مرافق ومؤسسات المجتمع الخاصة والعامة، فهذا لا يمنع سوء المعاملة المباشر فقط، إنما أيضاً سلسلة لا تنتهي من الإزاحة في ردات الأفعال على سوء المعاملة الأساسي، كما يجب أن تسن قوانين تدعم قيام الأشخاص بالدفاع عن حقهم بحسن المعاملة مادياً ومعنوياً والاقتصاص من المسيء كقناة صحية لتصريف الشحنة الانفعالية لردة الفعل على الإساءة بدل حصول الإزاحة اللاواعية التي تحول المظلوم إلى ظالم، كما يجب نشر التوعية النفسية التي تعرف الناس بالآليات النفسية اللاواعية التي ينساقون وراءها، وتثقفهم حول الأنماط النفسية السلوكية الواعية الرشيدة للتعامل مع ضغوطات الحياة ومؤثراتها السلبية.