صوت الأرض كانت ليلة عصيّة على النّسيان، تراقصت فيها أطياف الذكرى على شاشات القلوب، ومرايا الخواطر، وتجلّت فيها معاني التكريم والعرفان والوفاء لمن يستحقّون ذلك فرضًا وتعيينًا.
هكذا صاغت «الرؤية»، بعقل عرّابها محمد الخير، مسارها وهي تمضي بنا إلى استشراف «جودة الحياة»، وهكذا نهضت «هيئة الترفيه» لتجعل من «الرؤية» واقعًا ملموسًا، وفعلًا منجزًا، بهمّة رئيسها معالي المستشار تركي آل الشيخ.. شاهدناه في ليلة التكريم وقد أسرجت فيها ثريات الوفاء لإبداع «صوت الأرض» الراحل طلال مدّاح.
كان شعلة نشاط، ورمز عطاء، وعنوان فرح، وبشارة وعد بغد مشرق للمملكة، وهي تعلن الوفاء لرمز فني من رموزها الكبيرة.
ليلة طرّز فيها الحب والامتنان بخيوطه الذهبية سماء الرياض، حُشدت لها كلّ الإمكانات البشرية والفنية والجمالية والأدبية والغنائية وقامات الشعر والكلمة والفكر واللحن، فدارت بين الحاضرين سيرة فنان عطر الدنيا وجمّل سوحها، بكل تفاصيله الإنسانية.
في منزلي، كنت أتابع ما يجري في الساحة البلورية، وجالستني لحظتها أطياف الذكرى، فما حبست دمعة سالت، وكأن الليلة قد فتحت لي نوافذ التحليق في الأمس البعيد القريب، فرأيتني، شابًا طرير الخاطر، ممتلئ الوجدان، أجوب طرقات مكة المكرمة، أبحث في محلات التسجيلات وبيع أشرطة الكاسيت عن أغاني الفنان طلال مداح، تلك الأغنيات، التي تؤجج نار قلوب العشاق، وتزكي لهيب المشتاق، فتنوب عنهم في مراسيل الحب العذري، والغرام العفيف الراقي، وتروح بين العاشقين والمحرومين. كنا نحفظها من أول مرة وكأنها كانت منقوشة في الخاطر فحركها صوت طلال فاستيقظت ضوءًا مشرقًا في قلوبنا.
يا لـ«صوت الأرض» وهو يمثُّل الآن في خاطري عذبًا نقيًا ورقراقًا، كأنه همسة نسيم رائق في أذن زهرة تيّاهة العطر وبهية الألوان.
وجيب قلبي يتصاعد، ولا أملك لآهاتي أمرًا، «صوت الأرض» يشدو:
عرفتك وإحنا لسه صغار.. ولسه في ذمة الأقدار
وفي الحارة مع الجيران.. كبرنا وانتي برضو كمان
ولمن أمي ترسلني.. لأمك أجري واستني
وأنتي تفرحي بيه.. عيونك هايمة في عينيه.
هذه حكاية كل واحد منا، وقد شغله الحب صغيرًا، وساقته المراهقة في دروبها أرهف السمع معي، وردد مع «المداح»:
وبعد الجري يا فرحة.. لبستي القنعة والطرحة
ومن طاقة مبيت أمي.. أغني وأنتي بتغني
وتمضي الأغنية حتى النهاية السعيدة
وقالوا الواد عريس ولهان.. وانتِ ست بيت تنصان
وصرتي دنيتي وحبي.. وقلتي إنت نور قلبي.
صورة جميلة من الواقع ترجمها طلال رحمه الله تحكي قصة جيل بأكمله.
ترك من خلفه إرثًا فنيًا كبيرًا في أرض عرفت الفن والموسيقى والغناء وأبدعت فيه منذ آلاف السنين.
استغرق تكوين إرثه عمرًا بأكمله، وجهدًا مضنيًا، بدأه في سني طفولته الباكرة، وراثة عن والده، فعاش في أجوائه، وأضاف إليه فنًّا حريًّا بالحفظ والصيانة، نذر إليه العمر حتى فني على خشبة المسرح حاضنًا عوده صادحًا بصوته العذب أمام جمهوره المتعطش لصوته: «الله يرد خطاك يا مطول الغيبة»، فكانت آخر ما غنى، ليسدل الستار وينتفض كل المحبين رعشة غير مصدقين ما حدث، فكان نزفًا حقيقيًّا في قلوبهم تركه موت طلال الذي أمتع الناس بفنه في كل أرجاء الوطن العربي الكبير.
هذا التراث الفني البهي ما كانت ستتعرف عليه أجيال المستقبل لولا تلك «الرؤية» الجريئة والطموحة التي أحيت موات قلوبنا، وحسنت سبل حياتنا ومهدت لنا طريقًا نحو التألق والإبداع، رؤية منسجمة مع روح الإنسان وجبلته على حب الجمال والبحث عن مكامنه، مُدركة لإمكانات هذا الوطن وتميزه، فعكست الرغبة في تعمير الحياة ورفاهية الإنسان وحتمية البحث عن جودة الحياة بعد زمن كالح عشناه، جعلنا نرتاب حيال أي مباح، مترددين أمام كل جديد متأخرين خطوات عن اللحاق بركب الأمم التي تُحسّن من سبل الحياة بشكل يوافق ثقافة الفرح ويجافي ثقافة الموت والفناء.
ليلة فرح عريسها طلال في سماء الوطن بمثابة تأكيد على حسن خاتمته واعتذار عن كل من أساء اليه من خفافيش الظلام.
كان التكريم على قدر المحتفى به تناوب على أداء أغانيه والشدو بفنه حوالى (43) فنانًا من أرجاء العالم العربي، أتوا جميعًا متفقين بحب على وجوب تكريمه لأنه عميد الأغنية السعودية وسفيرها المعتمد لكل محبي الفن الراقي وعشاقه، فهو الذي حدد هويتها ووضّح معالمها وأرسى قواعدها حتى قيل «من أراد الغناء وسعى إليه فلا بد أن يغني أولًا لطلال مداح»..
في حياة طلال وبعد مماته تعلمنا فن الإصغاء، واستمتعنا بالفن الراقي والطرب الأصيل، وعرفنا أن للفن رسالة سامية، وأن الأرض لها صوت واحد.
قالوا عنه الكثير في ليلة تكريمه، عددوا مزاياه ونفسه التواقة لفعل الخير والإيثار على النفس وإن كان بها خصاصة. أجمعوا على إنسانيته وتفانيه لمساعدة الآخرين وسيرته الطيبة بين الناس، مؤكدين في ليلة الفرح ومن أرض الفرح، أن «المداح» استطاع أن يجسّد في أغانيه الخالدة بين العواطف الجميلة واللغة البسيطة، فأغانيه تطرق القلوب قبل الآذان، فتدخل القلوب أولًا وتوجعها مثل: «ظالم ولكن في القلب لسه هواه»، و«يا ويلك من الله يا نور أيامي»، و«تصدق ولا أحلفلك»، و«راجع أشوفك»، وفي الطريق مرة قابلني، وغيرها كثير تحكي قصة عشق ربطت بين لغة المكان وإنسانه، وتمثل أصدق تمثيل للغة اليومية الدارجة حينما تحلق في سماء الإبداع وتفصح عمّا يعتمل في النفس الإنسانية.
كان - رحمه الله - عريس المحافل والمهرجانات الوطنية والرياضية والعاطفية وتاريخنا الفني الراصد لكل مشاعرنا.
علمنا طلال بفنه الراقي أخلاقيات الحب والحنان وحتى العفاف، إنه تاريخ الأغنية السعودية، فقد قدم لنا كل الصور الجميلة الرائعة، لذا فهو حي في قلوبنا، وأقول
ما بين طرفة عين راح الحبيب الزين
وراحت معه أحلى ليالي حبي الغالي الثمين
وكله مقدر. !!
هكذا صاغت «الرؤية»، بعقل عرّابها محمد الخير، مسارها وهي تمضي بنا إلى استشراف «جودة الحياة»، وهكذا نهضت «هيئة الترفيه» لتجعل من «الرؤية» واقعًا ملموسًا، وفعلًا منجزًا، بهمّة رئيسها معالي المستشار تركي آل الشيخ.. شاهدناه في ليلة التكريم وقد أسرجت فيها ثريات الوفاء لإبداع «صوت الأرض» الراحل طلال مدّاح.
كان شعلة نشاط، ورمز عطاء، وعنوان فرح، وبشارة وعد بغد مشرق للمملكة، وهي تعلن الوفاء لرمز فني من رموزها الكبيرة.
ليلة طرّز فيها الحب والامتنان بخيوطه الذهبية سماء الرياض، حُشدت لها كلّ الإمكانات البشرية والفنية والجمالية والأدبية والغنائية وقامات الشعر والكلمة والفكر واللحن، فدارت بين الحاضرين سيرة فنان عطر الدنيا وجمّل سوحها، بكل تفاصيله الإنسانية.
في منزلي، كنت أتابع ما يجري في الساحة البلورية، وجالستني لحظتها أطياف الذكرى، فما حبست دمعة سالت، وكأن الليلة قد فتحت لي نوافذ التحليق في الأمس البعيد القريب، فرأيتني، شابًا طرير الخاطر، ممتلئ الوجدان، أجوب طرقات مكة المكرمة، أبحث في محلات التسجيلات وبيع أشرطة الكاسيت عن أغاني الفنان طلال مداح، تلك الأغنيات، التي تؤجج نار قلوب العشاق، وتزكي لهيب المشتاق، فتنوب عنهم في مراسيل الحب العذري، والغرام العفيف الراقي، وتروح بين العاشقين والمحرومين. كنا نحفظها من أول مرة وكأنها كانت منقوشة في الخاطر فحركها صوت طلال فاستيقظت ضوءًا مشرقًا في قلوبنا.
يا لـ«صوت الأرض» وهو يمثُّل الآن في خاطري عذبًا نقيًا ورقراقًا، كأنه همسة نسيم رائق في أذن زهرة تيّاهة العطر وبهية الألوان.
وجيب قلبي يتصاعد، ولا أملك لآهاتي أمرًا، «صوت الأرض» يشدو:
عرفتك وإحنا لسه صغار.. ولسه في ذمة الأقدار
وفي الحارة مع الجيران.. كبرنا وانتي برضو كمان
ولمن أمي ترسلني.. لأمك أجري واستني
وأنتي تفرحي بيه.. عيونك هايمة في عينيه.
هذه حكاية كل واحد منا، وقد شغله الحب صغيرًا، وساقته المراهقة في دروبها أرهف السمع معي، وردد مع «المداح»:
وبعد الجري يا فرحة.. لبستي القنعة والطرحة
ومن طاقة مبيت أمي.. أغني وأنتي بتغني
وتمضي الأغنية حتى النهاية السعيدة
وقالوا الواد عريس ولهان.. وانتِ ست بيت تنصان
وصرتي دنيتي وحبي.. وقلتي إنت نور قلبي.
صورة جميلة من الواقع ترجمها طلال رحمه الله تحكي قصة جيل بأكمله.
ترك من خلفه إرثًا فنيًا كبيرًا في أرض عرفت الفن والموسيقى والغناء وأبدعت فيه منذ آلاف السنين.
استغرق تكوين إرثه عمرًا بأكمله، وجهدًا مضنيًا، بدأه في سني طفولته الباكرة، وراثة عن والده، فعاش في أجوائه، وأضاف إليه فنًّا حريًّا بالحفظ والصيانة، نذر إليه العمر حتى فني على خشبة المسرح حاضنًا عوده صادحًا بصوته العذب أمام جمهوره المتعطش لصوته: «الله يرد خطاك يا مطول الغيبة»، فكانت آخر ما غنى، ليسدل الستار وينتفض كل المحبين رعشة غير مصدقين ما حدث، فكان نزفًا حقيقيًّا في قلوبهم تركه موت طلال الذي أمتع الناس بفنه في كل أرجاء الوطن العربي الكبير.
هذا التراث الفني البهي ما كانت ستتعرف عليه أجيال المستقبل لولا تلك «الرؤية» الجريئة والطموحة التي أحيت موات قلوبنا، وحسنت سبل حياتنا ومهدت لنا طريقًا نحو التألق والإبداع، رؤية منسجمة مع روح الإنسان وجبلته على حب الجمال والبحث عن مكامنه، مُدركة لإمكانات هذا الوطن وتميزه، فعكست الرغبة في تعمير الحياة ورفاهية الإنسان وحتمية البحث عن جودة الحياة بعد زمن كالح عشناه، جعلنا نرتاب حيال أي مباح، مترددين أمام كل جديد متأخرين خطوات عن اللحاق بركب الأمم التي تُحسّن من سبل الحياة بشكل يوافق ثقافة الفرح ويجافي ثقافة الموت والفناء.
ليلة فرح عريسها طلال في سماء الوطن بمثابة تأكيد على حسن خاتمته واعتذار عن كل من أساء اليه من خفافيش الظلام.
كان التكريم على قدر المحتفى به تناوب على أداء أغانيه والشدو بفنه حوالى (43) فنانًا من أرجاء العالم العربي، أتوا جميعًا متفقين بحب على وجوب تكريمه لأنه عميد الأغنية السعودية وسفيرها المعتمد لكل محبي الفن الراقي وعشاقه، فهو الذي حدد هويتها ووضّح معالمها وأرسى قواعدها حتى قيل «من أراد الغناء وسعى إليه فلا بد أن يغني أولًا لطلال مداح»..
في حياة طلال وبعد مماته تعلمنا فن الإصغاء، واستمتعنا بالفن الراقي والطرب الأصيل، وعرفنا أن للفن رسالة سامية، وأن الأرض لها صوت واحد.
قالوا عنه الكثير في ليلة تكريمه، عددوا مزاياه ونفسه التواقة لفعل الخير والإيثار على النفس وإن كان بها خصاصة. أجمعوا على إنسانيته وتفانيه لمساعدة الآخرين وسيرته الطيبة بين الناس، مؤكدين في ليلة الفرح ومن أرض الفرح، أن «المداح» استطاع أن يجسّد في أغانيه الخالدة بين العواطف الجميلة واللغة البسيطة، فأغانيه تطرق القلوب قبل الآذان، فتدخل القلوب أولًا وتوجعها مثل: «ظالم ولكن في القلب لسه هواه»، و«يا ويلك من الله يا نور أيامي»، و«تصدق ولا أحلفلك»، و«راجع أشوفك»، وفي الطريق مرة قابلني، وغيرها كثير تحكي قصة عشق ربطت بين لغة المكان وإنسانه، وتمثل أصدق تمثيل للغة اليومية الدارجة حينما تحلق في سماء الإبداع وتفصح عمّا يعتمل في النفس الإنسانية.
كان - رحمه الله - عريس المحافل والمهرجانات الوطنية والرياضية والعاطفية وتاريخنا الفني الراصد لكل مشاعرنا.
علمنا طلال بفنه الراقي أخلاقيات الحب والحنان وحتى العفاف، إنه تاريخ الأغنية السعودية، فقد قدم لنا كل الصور الجميلة الرائعة، لذا فهو حي في قلوبنا، وأقول
ما بين طرفة عين راح الحبيب الزين
وراحت معه أحلى ليالي حبي الغالي الثمين
وكله مقدر. !!