عسّرت أمه حين ولادته، وكادت تخنّق على رأسه، أوشك أن ينحشر، فقدماه أوّل ما تدلى خارج الرحم، ولولا لُطف الله، وعنايته بالوالدة، لهلك، وأهلكها معه، تنبهت الجدة، إلى أنّ الموقف يستدعي تدخلها العاجل، فجرّته بساقيه، وباكتمال خروجه من بطنها، غشي على المسكينة، بينما كان ينظر للجدة نظرة ناقمة؛ بسبب الشدّ الموجع، لفّته في إحرام، وهي تستعيذ بالله من شياطين الجنّ والإنس، وتقول في نفسها، ما هب كما ولدي، منين قد تزرقت هذي المصفوقة، هذا السكني؟ زادت، يخرع طايفة من الجن! وبحكم حسها الساخر، كانت تهرج نفسها، الله بنا وبه، رأسه كما المُسحقة، وأصغر ما في الناس أكبر ما فيه، ما ندري من أعرق له.. سرّحت تفكّر، وتحاول أن تجد له شبيهاً في القرية يمكن أن زوجة ابنها، توحّمتْ عليه، ففشلت، نغزت ولدها بالكلام، آخاف أنكم ما سميتم بالرحمن؟ فقال: من يفضى يسمي، في غدراء، وهو متشعلق في نخلة، رأسها أكعش، وعراقيبها ملويّه.
تذكّرتْ النفاس، فرشّتها بالماء، حتى استرجعت وعيها، واستنزلت، سطل السمن من رف خشبي، وخذمت بأصابعها، وطلبت منها تفتح فمها، ما عندها أي شهية، لابتلاع سمن البقر المحرّق له بالثفا والطحين، فقالت الجدة، تغصبي به، عشان حليبك يدرّ، معك واحد هنيه، كنه من بهم الساحل، لا يبان فيها لا در المنايح، ولا علفة.
كل ما عسّها نسوة، لاحظن عليه، عدم استقراره في الميزب، المعلّق في كُلاب الزافر، وطيلة وقت الصحو يهز نفسه بنفسه، نشدن الأم عن دفيس وعفيس الرضيع، فقالت، اسكتن والله يا مناترته في بطني من يوم شليت به، ولكنها، تميّز بكاء جوعه، فتبادر لاحتضانه، وتلقمه ثديها، وسرعان ما ينتقل للآخر، ثم يعود للأول، كأن معه منافس، على النبع السخيّ.
أبى ينفطم، قطّرت فوق ثدييها حُلّيبا، فركتهما بالمُرّ، وما نفع فخلته على هواه، لا يفوّت أي فرصة للرضاع، حتى بعدما تقدم في العمر، يلعب مع الأطفال، في المسراب، وعندما تروح أمه من الوادي بقربة الماء، يوقف لعبة البربر، ويستوقفها على قارعة الطريق، والقربة فوق ظهرها، فيفك زرار الثوب، وهي مدنيّه عليه، ويرضع بنهم وشهيّة، والمسكينة تقول (كان، كان أغديتاني كما العنز الشلّاء) فيضحك ويتوقف، ويعود لإكمال اللعب. والصغار يتعجبون ولا يتكلمون، لأنّ بُقس منه، يصرع أعتاهم أرضاً.
أطلقت عليه الجدة (المهفوف) يسرح واديهم، يهد حجيرة قائمة، ويقرر إعادة البناء، وقبل إتمامها يخليها وينتقل لغيرها، ويقلع جزراً من ركيب مسقوي، ويغسله في القف، ولا يعبيه في الكيس، فتقوم الجدة والأم بإتمام الشغل، وبعدما يهبط به السوق، يعوّد به ما يبيعه، مردداً، لو أقعد إلى العشاء ما انباع معضّم، وينكته في برحة مخصصة مربط للحمير ويصدر، وبمجرد الوصول للبيت يطلب مشرّق، وسمن، ويأكل لقمتين، ويخرج يتغضرف من اللوزة، ويعود ينشد عن القرص المشرق، فتقول أمه، شليتوه لجدتك.
طلبوا منه يسرح بالجمل يسقيه، وأوصوه، يتركه يرعى من الطلح، عاد غاضباً، وقال: والله يا جملكم أن جده ثور، منكّس برأسه، فوق الجوج، والخروع، يتقمقم، ومخلي نعايم الله في الطلح، ما ضري سواة جمال البدو، اللي تأكل الشوك وتبرك عليه، أضاف: خلوني أبيعه وأشتري لكم بقرة حلوب، علّقت أمه: ما أشغلك في حياتك إلا الحليب (عين في ديسي) وعين في ضروع البقرة، صاحت الجدّة (حمّد يا تُهمان) بياهب لنا طلبة، ويتسلّت، جملنا اللي رزقنا على الله وعليه، اشترى بقرة، وما كملت سنة حتى باعها، وعلل البيع، بكلفة علفتها، واشترى غنماً من شمران، وأضاف لها ماعز عارضية، وبين بيّض الله، سوّد الله، صفقها في سوق بو مرزوق، وقرر السفر.
أصبح يوم الخميس متهندماً، سألته الجدة، وين ملقّي؟ فأجابها: باهبط أتصوّر، ابغي أقص لي تابعيّة، وأسافر أتمصلح، فعلّقت: فطر لك ريش يا مهفوف، وغنّت: (والله ياذا ما يسرك وعينك تلمح، ما يسرك يوم هو مدّرق عنك).
كان أستوديو المحجم وسط سوق الخميس، دخل الدكان هادئ الإضاءة، وشدت نظره صور جميلة معلّقة على الجدران، تخيّل صورته معهم، شك صدر ثوبه المندلع، بمشبك عريض كأنه قمطة، ووضع المصوّر عقالاً مستهلكاً، فوق شماغه، عدّل رأسه يمين وشمال، حذّره من تغميض عينيه، وطلب منه التركيز على العدسة، أدخل المصوّر رأسه في محقن قماشي، وصاح عليه (أُبصم) وشخط صوت العدسة، قال له: تجيني دور اليوم تأخذ صورك، ومعك ريالين، ما صدق أنه، غلّق الدور، فقصد السوق، واجتمع الهباطة على مجادلة وخصام، المصور، يؤكد له إنها صورته، والمهفوف يقسم ما هذا وجهه، فسأله العمدة جار المصور، إنت قد شفت صورة وجهك في ميراه؟ أجابه، لا، فقال، خذ صورك والله يفتح لك.
سافر مع سواق الابلكاش، ومن دف عربيات المسعى، إلى بيع زمزم، إلى هفّاف، يهف بالمروحة الخصف على كبار السن وقت الظهيرة حتى ينعسوا، وتعلّق بالشيشة، فانتقل للعمل صبي قهوجي، وفي موسم الحج، عمل جزاراً يذكّي الهدي، والأضاحي، وكلما قطع رأس بهيمة قال (اللهم عنّي وعن جدتي ووالديّه) فسمعه شيخ الجزارين، وقال: ما تمشيها على ربك، يدري مين اللي خرط الدراهم)!
وخرج له بكم ريال، وكساوي لأهله، وحمبص وحلاوة للأولاد، وقوارير شُربيت، وراديو ببطارية جافة، وكلّف ابن خالته، (مدهوف) يجمع من كل شاب قرش، إذا يبغون يشربون توت، ويسمعون الرادي، وكان مدهوف بطيء الحركة، بسبب جينات وراثية، فانفعل عليه، وسأله: وشبك تتسلبى كما الحلبوب يا (مدهوف) ليش ما تتلبلب كمايه فأجابه: (إنت كثير حركة لكنك قليل بركة).
تذكّرتْ النفاس، فرشّتها بالماء، حتى استرجعت وعيها، واستنزلت، سطل السمن من رف خشبي، وخذمت بأصابعها، وطلبت منها تفتح فمها، ما عندها أي شهية، لابتلاع سمن البقر المحرّق له بالثفا والطحين، فقالت الجدة، تغصبي به، عشان حليبك يدرّ، معك واحد هنيه، كنه من بهم الساحل، لا يبان فيها لا در المنايح، ولا علفة.
كل ما عسّها نسوة، لاحظن عليه، عدم استقراره في الميزب، المعلّق في كُلاب الزافر، وطيلة وقت الصحو يهز نفسه بنفسه، نشدن الأم عن دفيس وعفيس الرضيع، فقالت، اسكتن والله يا مناترته في بطني من يوم شليت به، ولكنها، تميّز بكاء جوعه، فتبادر لاحتضانه، وتلقمه ثديها، وسرعان ما ينتقل للآخر، ثم يعود للأول، كأن معه منافس، على النبع السخيّ.
أبى ينفطم، قطّرت فوق ثدييها حُلّيبا، فركتهما بالمُرّ، وما نفع فخلته على هواه، لا يفوّت أي فرصة للرضاع، حتى بعدما تقدم في العمر، يلعب مع الأطفال، في المسراب، وعندما تروح أمه من الوادي بقربة الماء، يوقف لعبة البربر، ويستوقفها على قارعة الطريق، والقربة فوق ظهرها، فيفك زرار الثوب، وهي مدنيّه عليه، ويرضع بنهم وشهيّة، والمسكينة تقول (كان، كان أغديتاني كما العنز الشلّاء) فيضحك ويتوقف، ويعود لإكمال اللعب. والصغار يتعجبون ولا يتكلمون، لأنّ بُقس منه، يصرع أعتاهم أرضاً.
أطلقت عليه الجدة (المهفوف) يسرح واديهم، يهد حجيرة قائمة، ويقرر إعادة البناء، وقبل إتمامها يخليها وينتقل لغيرها، ويقلع جزراً من ركيب مسقوي، ويغسله في القف، ولا يعبيه في الكيس، فتقوم الجدة والأم بإتمام الشغل، وبعدما يهبط به السوق، يعوّد به ما يبيعه، مردداً، لو أقعد إلى العشاء ما انباع معضّم، وينكته في برحة مخصصة مربط للحمير ويصدر، وبمجرد الوصول للبيت يطلب مشرّق، وسمن، ويأكل لقمتين، ويخرج يتغضرف من اللوزة، ويعود ينشد عن القرص المشرق، فتقول أمه، شليتوه لجدتك.
طلبوا منه يسرح بالجمل يسقيه، وأوصوه، يتركه يرعى من الطلح، عاد غاضباً، وقال: والله يا جملكم أن جده ثور، منكّس برأسه، فوق الجوج، والخروع، يتقمقم، ومخلي نعايم الله في الطلح، ما ضري سواة جمال البدو، اللي تأكل الشوك وتبرك عليه، أضاف: خلوني أبيعه وأشتري لكم بقرة حلوب، علّقت أمه: ما أشغلك في حياتك إلا الحليب (عين في ديسي) وعين في ضروع البقرة، صاحت الجدّة (حمّد يا تُهمان) بياهب لنا طلبة، ويتسلّت، جملنا اللي رزقنا على الله وعليه، اشترى بقرة، وما كملت سنة حتى باعها، وعلل البيع، بكلفة علفتها، واشترى غنماً من شمران، وأضاف لها ماعز عارضية، وبين بيّض الله، سوّد الله، صفقها في سوق بو مرزوق، وقرر السفر.
أصبح يوم الخميس متهندماً، سألته الجدة، وين ملقّي؟ فأجابها: باهبط أتصوّر، ابغي أقص لي تابعيّة، وأسافر أتمصلح، فعلّقت: فطر لك ريش يا مهفوف، وغنّت: (والله ياذا ما يسرك وعينك تلمح، ما يسرك يوم هو مدّرق عنك).
كان أستوديو المحجم وسط سوق الخميس، دخل الدكان هادئ الإضاءة، وشدت نظره صور جميلة معلّقة على الجدران، تخيّل صورته معهم، شك صدر ثوبه المندلع، بمشبك عريض كأنه قمطة، ووضع المصوّر عقالاً مستهلكاً، فوق شماغه، عدّل رأسه يمين وشمال، حذّره من تغميض عينيه، وطلب منه التركيز على العدسة، أدخل المصوّر رأسه في محقن قماشي، وصاح عليه (أُبصم) وشخط صوت العدسة، قال له: تجيني دور اليوم تأخذ صورك، ومعك ريالين، ما صدق أنه، غلّق الدور، فقصد السوق، واجتمع الهباطة على مجادلة وخصام، المصور، يؤكد له إنها صورته، والمهفوف يقسم ما هذا وجهه، فسأله العمدة جار المصور، إنت قد شفت صورة وجهك في ميراه؟ أجابه، لا، فقال، خذ صورك والله يفتح لك.
سافر مع سواق الابلكاش، ومن دف عربيات المسعى، إلى بيع زمزم، إلى هفّاف، يهف بالمروحة الخصف على كبار السن وقت الظهيرة حتى ينعسوا، وتعلّق بالشيشة، فانتقل للعمل صبي قهوجي، وفي موسم الحج، عمل جزاراً يذكّي الهدي، والأضاحي، وكلما قطع رأس بهيمة قال (اللهم عنّي وعن جدتي ووالديّه) فسمعه شيخ الجزارين، وقال: ما تمشيها على ربك، يدري مين اللي خرط الدراهم)!
وخرج له بكم ريال، وكساوي لأهله، وحمبص وحلاوة للأولاد، وقوارير شُربيت، وراديو ببطارية جافة، وكلّف ابن خالته، (مدهوف) يجمع من كل شاب قرش، إذا يبغون يشربون توت، ويسمعون الرادي، وكان مدهوف بطيء الحركة، بسبب جينات وراثية، فانفعل عليه، وسأله: وشبك تتسلبى كما الحلبوب يا (مدهوف) ليش ما تتلبلب كمايه فأجابه: (إنت كثير حركة لكنك قليل بركة).