-A +A
أسامة يماني
في حديث مع الدكتور عبدالله الخطيب أستاذ مشارك بقسم اللغات الأوروبية بجامعة الملك عبدالعزيز... تخصص دقيق (تحليل الخطاب)، طرح فكرة توظيف الأسطورة وذلك في حديثنا عن كتاب أمنا حواء للدكتور محمد نويلاتي، وقد تطرق الحوار إلى أهمية التفرقة بين الأسطورة والخرافة حيث إن «الأساطير تستند إلى أساس تأريخي وإن امتلأت أحياناً بالتفاصيل الخرافية وهي تصوّر ما وعته ذاكرة الشعب أو ما نسجه خيال شاعر حول حادث حقيقي كان له من الأهمية ما جعله يعلق بالأذهان صحيحاً كان أو محرفاً. وتتمتع الأسطورة بسلطة هائلة على عقول الأفراد ونفوسهم، ومؤيدات هذه السلطة تنبع من داخل الأسطورة لا من خارجها. وهي عندما تتصدى لمسألة من المسائل الشمولية، فإنها لا تطرح موضوعها على بساط البحث والتحليل، وإنما تتقدم بحقائق لا تقبل الجدال». أما الخرافة في المعاجم العربية تُعرف بأنها «الحديث المستملح من الكذب»، وهي تُطلق على «الذي يكذبونه من الأحاديث والحكايات وعلى ما يُستملح ويُتعجَب منه»، والخرافة اشتقت من الجذر «خرف» الذي من معانيه فساد العقل وخرابه من الكبر. بخلاف الأسطورة التي لها أساس تأريخي مرتبطة ببقعة أو إنسان أو حدث ما، حيث تتصل بعلاقة مع التاريخ.

إن أهمية توظيف الأسطورة لمصلحة المكان أو المنفعة الاقتصادية أو الجذب السياحي وإظهار البعد الثقافي والتأريخي أو غيرها من هدف، تعكس ذاكرة الشعوب والثراء الثقافي. تتطلب من الجهات المعنية بالشأن الثقافي والسياحي والترفيهي مزيداً من الرعاية والاهتمام.


السعودية ثرية بالأماكن المرتبطة بالأساطير، مثل قبر أمنا حواء وجبل التوباد وأجا وسلمى وغيرها من أماكن في أنحاء المملكة جنوبها وشمالها وشرقها وغربها ووسطها.

إن إبراز هذه الأماكن وتوفير البنية السياحية لها يصبّ في مصلحة الوطن وتأثيرها الثقافي على نطاق واسع، فضلاً عن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية وجودة الحياة.

لقد عانينا لمدة طويلة من تحكّم مفاهيم مغلقة حرّمت كل شيء وحاربت الفرح وشيطنته، وعملت على طمس التأريخ، ومحاربة الآثار، جاعلين من الموت الأسطورة التي يروجون لها، حتى أن البعض ما زال عالقاً في فكر الموت ناسياً دوره في الحياة والبناء والعيش والسعي في مناكب هذه الأرض قال تعالى «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ». «وقوله تعالى «فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله».

توظيف الأسطورة إحدى القوى الناعمة التي لها سحرها وسلطة هائلة على عقول الأفراد ونفوسهم، والتي تضيف إلى التنوع والتعدد وتقوّي النسيج الاجتماعي. السعودية تتمتع بجاذبية على كافة الجوانب، وفيها من الآثار والأماكن والمزارات الإسلامية والتاريخية والأسطورية الكثير، يجب الاستفادة منها، فضلاً عن أنه يجب السماح لكل فئة من الفئات ممارسة شعائرهم وطقوسهم وتقبّل الآخر بشكل كريم ومقبول غير مبذول ولا خارج عن المعقول. فالتنوع الغني والثري في بلادنا يجعلنا جهة جذب للجميع بكافة الأطياف والألوان والمذاهب والمشارب.

لقد ذهب من غير رجعة زمن الغفوة وظلام وسطوة وجهل أهل الغفوة، غير أن بعض العقول ما زالت تحت سطوتها ويظهر ذلك جليّاً من مفرداتهم اللغوية التي ما زالت تفيض بأدبيات أهل الغفوة ومفاهيمهم المغلوطة والظلامية.

لقد حان وقت الاهتمام بقصصنا الشعبية وذاكرة شعبنا وتأريخه وأصالته وإبداعه وتسليط الضوء عليها وتوظيف الأسطورة، فهي الثروة الحقيقية التي لا تنضب وهي الماعون الذي لا ينفد.