-A +A
عقل العقل
بعض الأحداث ومجرياتها في بعض دول الجوار تشبه قصص وأفلام الخيال، ولكنها ليست من باب الخيال العلمي التي تبشر باكتشافات قادمة لخدمة البشرية. إيران يبدو أنها تعيش أزمة داخلية حقيقية هذه المرة، ليس مع دول إقليمية أو عالمية، إنها تعيش أزمة مع شعبها، ولا دخل لدول الجوار والعالم بما يحدث في الداخل الإيراني من قصص وحكايات ألف ليلة وليلة، والضحية هذه المرة هو الشعب الإيراني المغلوب على أمره. قبل أشهر بدأت احتجاجات النساء في إيران بعد مقتل سيدة إيرانية مسالمة في مركز للشرطة، وتصاعد الموقف الداخلي هناك، وأصبح رجال الدين، وهم رجال النظام، عرضة للاعتداءات الشعبية، وتم اقتلاع عمائمهم في شوارع المدن الإيرانية؛ لكسر هيبتهم وكسر الحواجز النفسية من قبل الشعب الإيراني. النظام استخدم العنف المفرط ضد شعبه واستخدم كل الأساليب الوحشية ضد مواطنيه، وفي مسألة تعتبر حقاً مشروعاً للنساء وهو لبس الحجاب من عدمه، اعتقل الآلاف وعذبوا وقتلوا في السجون الإيرانية، وفي النهاية تصريحات من مسؤول هنا وهنا عن مسألة تغير الأوضاع الدستورية الخاصة بقضية الحجاب، ومن ثم يأتي المرشد خامنئي في حركة مسرحية ويعفو ويأمر بإطلاق سراح عشرين ألفاً شاركوا بالمظاهرات الأخيرة.

بعد قمع انتفاضة النساء الأخيرة يبدو أن أجهزة النظام حاقدة على نساء إيران، فبدأت بعملية تشبه «اللغز» المحير، فكيف بدولة بوليسية لا تعرف من يقف وراء تسميم الطالبات الإيرانيات في المدارس؟ الأكيد أن هذا العمل المشين هو من صنع النظام لقمع النساء والمجتمع ككل، تخيل أن ابنتك تذهب لمؤسسة تعليمية يفترض أنها ترعاها فكرياً وجسدياً تكون هي المكان الذي تتعرض فيه حياتها للخطر والموت. مثل هذه الأعمال الوحشية ضد الشعب الإيراني، باعتقادي تدل على ضعف واهتزاز في منظومة النظام، ولا يقوم بها إلا دولة مهزومة نفسياً وأخلاقياً مع شعبها.


النظام ومع تزايد وانتشار حالات التسمم في مدارس البنات الابتدائية والثانوية أمر بإجراء تحقيق سريع وجذري، ولكن التقارير والأهالي على قناعة أن سبب هذا الوضع هو القضاء على معارضة النظام في المظاهرات الأخيرة، وهي باعتقادي طريقة وحشية وبشعة وسيكون لها آثار سياسية واجتماعية خطيرة في المستقبل القريب، وستزيد من وتيرة المعارضة في الداخل وستضعف موقف النظام، الذي بالعادة يتهم الخارج الغربي والإقليمي بأنه يقف خلف الحراك الشعبي في إيران، هذه الحالة تختلف بشكل جذري والمسؤول عنها مباشرة هي الأجهزة الرسمية الإيرانية خاصة المتشددة منها، والبعض يردد أن النظام ينهج هذا الأسلوب الخطير في محاولة منه لمنع النساء في إيران من التعليم، ولا أعتقد أن هذا توصيف دقيق، فالقصة هي معاقبة المرأة الإيرانية على ما قامت به من تحدّي السلطات الأمنية والدينية في الأشهر الفائتة. وزارة الداخلية الإيرانية قامت بتحقيق شامل، كما تقول وخرجت بنتائج توحي بأنه لا حالات تسمم خطيرة في أجسام الطالبات، وأن الموضوع كله له علاقة بعدم الراحة الذي يعود إلى القلق الناتج عن البيئة المدرسية، هذه دلالات على تورط النظام في هذه المسرحية سيئة الإخراج، فوزارة الداخلية يفترض أنها على رأس أجهزة الدولة لحماية المجتمع تخرج بنتائج مضحكة وكأنها تبرر حالات تسمم الطالبات.

أخيراً، تكلم المرشد الإيراني عن هذه القضية، وقال إنها جريمة لا تغتفر، في تناقض واضح لتصريحات مسؤولين إيرانيين ومنهم الرئيس رئيسي، وهذا نادر جداً في النظام الإيراني، فهل موقف المرشد شفاف ويبحث عن الحقيقة أم هو إنقاذ لأجهزة أمنية متورطة في هذه الجريمة الإنسانية؟!