-A +A
علي بن محمد الرباعي
كان مما يحرص عليه بعض رجالات دولتنا، خصوصاً في الثمانينيات والتسعينيات، عقد لقاءات دورية مع المثقفين والإعلاميين، إما في مجالس (طوال الأعمار) أو مجالس الوجهاء والأعيان، وخلال الجلسات الاجتماعية في ظاهرها يتم تمرير بعض الأفكار والتوجهات والسياسات والقرارات؛ بغرض تناولها في الصحف والإعلام بصورة غير مباشرة، ودون نسبتها للشخصية الممررة للفكرة، فتغدو تلك التمريرة وجبة دسمة تشتغل عليها صحافة الرأي والتحليل أسبوعاً وربما أكثر إلى أن يجود مسؤول آخر بفكرة أُخرى.

للتجربة الشورية في المملكة خصيصة رائدة، فالرئيس والنائب والأمين العام والأعضاء والعضوات منتقون بعناية، ومُختارون بدراية، ومشمولون برعاية كريمة من القيادة، وممنوحون حصانة، وهذه الامتيازات تتيح لهم فرصة الجرأة في التناول والتواصل، فهُم محل ثقة الجميع، وليس هناك أدنى شك في وطنيتهم، وصادق انتمائهم لهذا الوطن، وعشقهم له، ومن العشق ما أحيا، ومن الحُب ما قتل.


فعلاً الحُبّ قد يقتل الفكرة، والعشقُ يخلق تردداً، والتفكير الطويل في العلاقة بين العضو وكرسي المجلس والحرص على بقائها وديمومتها ربما يفوّت فرصة استثمار التوقيت المتاح لإبداء الرأي، وإسداء النصح، فهناك من يأتي إثر مغادرة المجلس ليقول ليتني قلتُ، ولات ساعة ليت، والسيدات والسادة عضويتهم في المجلس ليست مؤبدة، بل مزمّنة، ومن لوازم القسم البرلماني، الوفاء مع القيادة، والالتزام بتطلعات الشعب، ورقابة النُخب التي ترصد وتتابع وتحلل واقع المجلس عبر دوراته السابقة واللاحقة، لا تتوقف ولا ترحم، وسترصد وتوثّق.

كان منذ أعوام لمجلس الشورى دور كبير في التفاعل مع المجتمع بحيوية أكبر، وكانت تصاغ جملة من الأفكار التي تُطرح وتُناقش، والتي لم يتم البت فيها بصورة نهائية، ولا أتوقع وأتمنى ألا تكون المواضيع ذات العلاقة بالمواطن انتهت أو تضاءلت، كما أتمنى أن تكون الثقة في صفوة النخبة، وممثلي الشعب في محلها، لا تهتز ولم تضعف؛ بسبب انقطاع الحوار الاستنطاقي، الذي يحيل قرارات المجلس لحديث مجالس ونقاشات وإبداء وجهات نظر.

كنا قراء وإعلاميين نتابع بشغف ما يصدر عن المجلس، ونستمد من أعضاء الشورى المانشيتات والعناوين اللافتة لصحفنا وموادنا، وكم نبتهج صبيحة يوم تحتل أخبار الجلسات أعمدة أوسع من الصفحة الأولى، ولم يكن يبخل بعض الأعضاء والعضوات بمعلومات وتسريبات خاصة.

تفعيل دور الإعلام الشفيف من المجلس يجعل المجتمع في حالة تفاعل، ويسهم في تنامي الوعي الوطني، ويعزز الشراكة مع كافة الشرائح المجتمعية، فالمجلس من الناس وإليهم، وهناك آراء وأصداء تدفع المجلس لإعادة النظر في بعض القرارات، وربما من شدة الحذر الناشئ عن الاحتفاظ بالموقع، لم نعد نعرف كافة رؤساء ورئيسات اللجان الذين نفترض أنهم أكثر ديناميكية من غيرهم.

في الدورة السابقة، وهذه الدورة، ربما لم يعد مستوى التفاعل كما كان، بل تراجع، ما يبعث على الحيرة والتساؤل، فهل الأعضاء ممنوعون من الكلام؟ أم أن السريّة طغت على المواضيع؟ أم أن ما يتم طرحه لا يعني إعلاماً ولا مواطنين؟ أسئلة دارت في ذهني، وربما تدور في أذهان مئات غيري؟ ومن حق السؤال أن يبحث عن إجابة، وإن لم تتوفر، فيكفيه التعبير عن نفسه.

أرى أن التساؤل مشروع، كوننا في زمن شفافية ووضوح، ولم يعد هناك مسؤول أو رجل أو سيدة دولة متخفياً عن مواقع التواصل ووسائل الإعلام، بل سمو ومعالي الوزراء حاضرون في المشهد على مدار الساعة، ويوثقون نشاطهم بالصوت والصورة، ويعقدون مؤتمرات حوارية مع الإعلام بصفة دورية، ومن يعلم ويعمل في الإعلام يعرف قيمة التصريح الخاص لبرلماني جريء، ينقل الفضاء العام من سكون ورتابة إلى حوار وطني تفاعلي، وجدل إيجابي، فتسمع المُشيد، وتسمع التنديد، وهذه قيمة عليا للشورى؛ لأنها ليست جهازاً بيروقراطياً تقليدياً يعتمد على آلية (لا أحد يدري).

ما يبثه المجلس من تقارير صحفية وتغريدات لا تقول كل شيء لاعتبارات عدة منها الموضوعي، ومنها التوجس المُبالغ فيه، وأزعم أن قيادة بلادنا يسعدها التفاعل بين المجلس وبين المجتمع، بل ويسعد حتى المجلس خلق حالة من استمزاج رأي الناس، ورصد ردود أفعال مواطنين البعض منهم يمتلك رؤى مضيئة.

هناك بلدان تنقل جلسات مجلس الشورى على الهواء، وهناك دول تسجلها وتبثها لاحقاً، وكل ذلك يضع المواطن في الصورة، فيسمع ويناقش ويشارك، والمجلس من الناس وإليهم، في حين أرى انزواء الأعضاء والعضوات عن الإعلام، وتحذيرهم من التصريح يبت حبل التواصل، ويصرف نظر المواطن عما يدور تحت قبة برلمانه، ويغدو لا يعنيه ما يدور في المجلس المعبر عن تطلعاته، والممثل لتوجهاته، والناطق باسم طموحاته.

ربما لا أجد تجاوباً كافياً مع أسئلتي، وأرجو ألا تكون هناك مشكلة ما، أو أزمة ثقة، فالإعلامي يسعد بأن يبني مع المجلس مداميك التفاعل الحيوي، شرط انفتاح أعضاء المجلس وعضواته بالطرح الوطني الشفيف.

وسؤالي الآخر لا الأخير عن أسباب هذا الهدوء حد القلق، هل هو مقصود أم عفوي؟ بالطبع (لستُ أدري)!