أدلى «ديمتري ميدفيديف»، نائب رئيس مجلس الأمن الوطني الروسي، والرئيس الروسي السابق، بتصريحات هامة، يوم 24/2/2023، بشأن أزمة أوكرانيا، بمناسبة مرور سنة على «العملية العسكرية» الروسية بأوكرانيا، وفي وقت ما زال وضع الصراع فيه يتفاقم، ويتصاعد، يوماً بعد يوم. إذ لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى توقف قريب للمعارك الدامية بين الطرفين. حيث يحاول الجيش الروسي بسط هيمنته على المناطق الأوكرانية التي يحتلها. بينما تقاوم كييف... معتمدة على الدعم العسكري الغربي المكثف، الذي جعل رئيسها (زيلينسكي) يصرح بأن هذا العام سيشهد «انتصار أوكرانيا».
أكد ميدفيديف: «إن روسيا ستنتصر في أوكرانيا، ومستعدة للمضي حتى حدود بولندا. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد هزيمة روسيا، فعندئذ يحق لنا الدفاع عن أنفسنا بكل سلاح، بما في ذلك الأسلحة النووية». وذلك بعد إعلان بلاده انسحابها من اتفاقية «نيو ستارت» النووية مع أمريكا. واتهم ميدفيديف الحكومة الأوكرانية مجدداً بأنها من «النازيين الجدد»، وترتكب «إبادة» بحق الناطقين بالروسية في أوكرانيا. وهي من التهم التي استخدمها الكرملين ذريعة لتبرير العملية العسكرية. كما تحدث ميدفيديف عن مفاوضات ستجري بعد «انتصار» روسيا. ورأى أن هذه المفاوضات «ستكون صعبة ومتوترة، والقرارات من جانب أوكرانيا سوف تتخذ عبر البحار، من قبل الذين يسلمون أسلحة إلى كييف، ويرسلون لها المال، لتعويم الاقتصاد الأوكراني أو ما تبقى منه».
واتضح أن تصريحاته تعكس أيضاً موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أدلى بعده بأيام، بتصريحات مشابهة. حيث اعتبر أن حلف «ناتو» يشارك بقوة في حرب أوكرانيا، عبر إرسال مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا. وتابع قائلاً: «هذا يعنى أن ناتو يشارك، ولو بصورة غير مباشرة، في جرائم كييف... إن الدول الغربية لديها هدف واحد، هو تدمير الاتحاد السوفييتي السابق، والجزء الرئيسي منه، روسيا الاتحادية. عندها فقط قد يقبلوننا في عائلة الشعوب المتحضرة المزعومة، ولكن بصورة منفصلة فقط، كل جزء لوحده». وقال: «إننا نعمل لعالم متعدد الأقطاب». وهذه التصريحات تؤكد وتلخص موقف روسيا في هذا الصراع العالمي الخطير.
****
إن ما تسميه روسيا بـ «العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا»، يكاد معظم العالم أن يكون منخرطاً فيها، أو متأثراً، بشكل أو آخر، بهذه الحرب، التي يحبس الكثيرون أنفاسهم، خشية أن تتصاعد لدرجة الانفلات، وحدوث ما لا تحمد عقباه، وهو الاصطدام المروع المحتمل بين روسيا، وحلفائها من جهة، والغرب وحلفائه من جهة أخرى. وبعض المراقبين يصفون هذا الصراع الدولي الساخن، بأنه تمهيد للحرب العالمية الثالثة والأخيرة. لذا، لا يستغرب أن هذه الحرب تهم وتشغل معظم العالم.
ولا شك أن روسيا، بغزوها لأوكرانيا، تدفع خطراً فادحاً محتملاً على أمنها القومي، ووحدة أراضيها، وسيادتها. خطراً سيأتي حتماً من أوكرانيا بخاصة، إن هي انضمت لحلف ناتو، المعادي جداً لروسيا، واستمرت في استفزاز الروس. وذلك تحسب روسي مشروع، ومبرر تماماً، رغم «قسوة» رد الفعل الروسي، الذي تمثل في التنكيل بأوكرانيا، إنساناً وأرضاً. فمن الناحية القانونية، ترتكب روسيا، بحربها هذه، مخالفة فظيعة للقانون الدولي. والمتوقع أن تحقق روسيا أغلب أهدافها من هذه الحرب، ما لم يحصل الاصطدام الكبير بينها وبين الغرب. وستؤكد روسيا، إن هي انتصرت، موقعها كقطب جديد - قديم.
ولكن الجيش الروسي ارتكب خطأ استراتيجياً فادحاً، عندما تجنب احتلال العاصمة الأوكرانية كييف، وإزاحة الحكومة، في بداية اجتياحه، الأمر الذي مكن كييف من التواصل مع العالم الغربي، الذي أقام جسراً اتصالياً، وجوياً، وبرياً، لتزويد أوكرانيا بالسلاح والعتاد، والدعم، وبعض المقاتلين. مما أدى إلى عدم حسم المعركة، وتطويل أمد الحرب، إلى أجل غير مسمى. وكل ذلك سهل لأمريكا: العمل على استنزاف أكبر قدر ممكن من القوة الروسية، ودق أسفين بين روسيا وأوروبا، واضطرار أوروبا، أو معظمها، للارتماء أكثر في الحضن الأمريكي.
****
وقد كانت روسيا، وما زالت، هي الهاجس الأمني - السياسي الأكبر لأعضاء حلف ناتو، رغم كونها، بالدرجة الأولى، دولة أوروبية - أورو آسيوية كبرى، إلا أن هناك عداء أوروبياً تاريخياً تقليدياً لها. فعلى مدار التاريخ الحديث والمعاصر، كانت هناك صراعات وحروب بين روسيا والدول الأوروبية الكبرى. وكذلك اجتياحات عسكرية روسية لبعض بلدان أوروبا المجاورة لروسيا. كما أن كون غالبية الروس تعتنق المذهب المسيحي الأرثوذكسي جعل لروسيا تقاليد وحضارة مختلفة عن غالبية دول أوروبا وغالبيتها البروتستانتية. وساهم قيام «الشيوعية» فيها، في الفترة 1917 - 1991، وهيمنتها على أوروبا الشرقية، في جعل روسيا في خصام مع «الديمقراطيات» الغربية، ورثته روسيا، رغم تخليها عن التوجه الشيوعي الماركسي، وتحولها لدولة وطنية ليبرالية.
وبعد انهيار حلف وارسو، والاتحاد السوفييتي، طالبت روسيا بعدم توسع حلف «ناتو» شرقاً تجاه حدودها الغربية، فوعد الحلف - أثناء مفاوضات توحيد ألمانيا تحديداً - بعدم التوسع شرقاً. ولكنه نكث بهذا الوعد، واستغل ضعف روسيا، في المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي، فتوسع شرقاً لآلاف الكيلومترات. وها هو يمعن في هذا التوسع، ويضم فنلندا والسويد. فالغرب يناوئ روسيا، لأسباب أيديولوجية وتاريخية معروفة. ويعتبر روسيا رسمياً، من أكبر وأخطر ما يهدد الأمن القومي الغربي، إضافة إلى الصين، وغيرها. وهذا الغرب، وزعيمته أمريكا، يرفض تطورات النظام العالمي الأخيرة، ويصر على إبقاء النظام العالمي أحادي القطبية، رغم صعود الصين، وإلى حد ما روسيا، عنوة إلى قمة العالم السياسية - الاقتصادية، كأمر واقع، لا يملك أحد في الوقت الحالي تعديله.
من الصعب التشكيك في اتهامات ميدفيديف وبوتين للغرب، الذي ما فتئ يسعى لتفكيك روسيا إلى دويلات، بعدد جمهوريات ومناطق الاتحاد السوفييتي السابق.
أكد ميدفيديف: «إن روسيا ستنتصر في أوكرانيا، ومستعدة للمضي حتى حدود بولندا. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد هزيمة روسيا، فعندئذ يحق لنا الدفاع عن أنفسنا بكل سلاح، بما في ذلك الأسلحة النووية». وذلك بعد إعلان بلاده انسحابها من اتفاقية «نيو ستارت» النووية مع أمريكا. واتهم ميدفيديف الحكومة الأوكرانية مجدداً بأنها من «النازيين الجدد»، وترتكب «إبادة» بحق الناطقين بالروسية في أوكرانيا. وهي من التهم التي استخدمها الكرملين ذريعة لتبرير العملية العسكرية. كما تحدث ميدفيديف عن مفاوضات ستجري بعد «انتصار» روسيا. ورأى أن هذه المفاوضات «ستكون صعبة ومتوترة، والقرارات من جانب أوكرانيا سوف تتخذ عبر البحار، من قبل الذين يسلمون أسلحة إلى كييف، ويرسلون لها المال، لتعويم الاقتصاد الأوكراني أو ما تبقى منه».
واتضح أن تصريحاته تعكس أيضاً موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أدلى بعده بأيام، بتصريحات مشابهة. حيث اعتبر أن حلف «ناتو» يشارك بقوة في حرب أوكرانيا، عبر إرسال مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا. وتابع قائلاً: «هذا يعنى أن ناتو يشارك، ولو بصورة غير مباشرة، في جرائم كييف... إن الدول الغربية لديها هدف واحد، هو تدمير الاتحاد السوفييتي السابق، والجزء الرئيسي منه، روسيا الاتحادية. عندها فقط قد يقبلوننا في عائلة الشعوب المتحضرة المزعومة، ولكن بصورة منفصلة فقط، كل جزء لوحده». وقال: «إننا نعمل لعالم متعدد الأقطاب». وهذه التصريحات تؤكد وتلخص موقف روسيا في هذا الصراع العالمي الخطير.
****
إن ما تسميه روسيا بـ «العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا»، يكاد معظم العالم أن يكون منخرطاً فيها، أو متأثراً، بشكل أو آخر، بهذه الحرب، التي يحبس الكثيرون أنفاسهم، خشية أن تتصاعد لدرجة الانفلات، وحدوث ما لا تحمد عقباه، وهو الاصطدام المروع المحتمل بين روسيا، وحلفائها من جهة، والغرب وحلفائه من جهة أخرى. وبعض المراقبين يصفون هذا الصراع الدولي الساخن، بأنه تمهيد للحرب العالمية الثالثة والأخيرة. لذا، لا يستغرب أن هذه الحرب تهم وتشغل معظم العالم.
ولا شك أن روسيا، بغزوها لأوكرانيا، تدفع خطراً فادحاً محتملاً على أمنها القومي، ووحدة أراضيها، وسيادتها. خطراً سيأتي حتماً من أوكرانيا بخاصة، إن هي انضمت لحلف ناتو، المعادي جداً لروسيا، واستمرت في استفزاز الروس. وذلك تحسب روسي مشروع، ومبرر تماماً، رغم «قسوة» رد الفعل الروسي، الذي تمثل في التنكيل بأوكرانيا، إنساناً وأرضاً. فمن الناحية القانونية، ترتكب روسيا، بحربها هذه، مخالفة فظيعة للقانون الدولي. والمتوقع أن تحقق روسيا أغلب أهدافها من هذه الحرب، ما لم يحصل الاصطدام الكبير بينها وبين الغرب. وستؤكد روسيا، إن هي انتصرت، موقعها كقطب جديد - قديم.
ولكن الجيش الروسي ارتكب خطأ استراتيجياً فادحاً، عندما تجنب احتلال العاصمة الأوكرانية كييف، وإزاحة الحكومة، في بداية اجتياحه، الأمر الذي مكن كييف من التواصل مع العالم الغربي، الذي أقام جسراً اتصالياً، وجوياً، وبرياً، لتزويد أوكرانيا بالسلاح والعتاد، والدعم، وبعض المقاتلين. مما أدى إلى عدم حسم المعركة، وتطويل أمد الحرب، إلى أجل غير مسمى. وكل ذلك سهل لأمريكا: العمل على استنزاف أكبر قدر ممكن من القوة الروسية، ودق أسفين بين روسيا وأوروبا، واضطرار أوروبا، أو معظمها، للارتماء أكثر في الحضن الأمريكي.
****
وقد كانت روسيا، وما زالت، هي الهاجس الأمني - السياسي الأكبر لأعضاء حلف ناتو، رغم كونها، بالدرجة الأولى، دولة أوروبية - أورو آسيوية كبرى، إلا أن هناك عداء أوروبياً تاريخياً تقليدياً لها. فعلى مدار التاريخ الحديث والمعاصر، كانت هناك صراعات وحروب بين روسيا والدول الأوروبية الكبرى. وكذلك اجتياحات عسكرية روسية لبعض بلدان أوروبا المجاورة لروسيا. كما أن كون غالبية الروس تعتنق المذهب المسيحي الأرثوذكسي جعل لروسيا تقاليد وحضارة مختلفة عن غالبية دول أوروبا وغالبيتها البروتستانتية. وساهم قيام «الشيوعية» فيها، في الفترة 1917 - 1991، وهيمنتها على أوروبا الشرقية، في جعل روسيا في خصام مع «الديمقراطيات» الغربية، ورثته روسيا، رغم تخليها عن التوجه الشيوعي الماركسي، وتحولها لدولة وطنية ليبرالية.
وبعد انهيار حلف وارسو، والاتحاد السوفييتي، طالبت روسيا بعدم توسع حلف «ناتو» شرقاً تجاه حدودها الغربية، فوعد الحلف - أثناء مفاوضات توحيد ألمانيا تحديداً - بعدم التوسع شرقاً. ولكنه نكث بهذا الوعد، واستغل ضعف روسيا، في المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي، فتوسع شرقاً لآلاف الكيلومترات. وها هو يمعن في هذا التوسع، ويضم فنلندا والسويد. فالغرب يناوئ روسيا، لأسباب أيديولوجية وتاريخية معروفة. ويعتبر روسيا رسمياً، من أكبر وأخطر ما يهدد الأمن القومي الغربي، إضافة إلى الصين، وغيرها. وهذا الغرب، وزعيمته أمريكا، يرفض تطورات النظام العالمي الأخيرة، ويصر على إبقاء النظام العالمي أحادي القطبية، رغم صعود الصين، وإلى حد ما روسيا، عنوة إلى قمة العالم السياسية - الاقتصادية، كأمر واقع، لا يملك أحد في الوقت الحالي تعديله.
من الصعب التشكيك في اتهامات ميدفيديف وبوتين للغرب، الذي ما فتئ يسعى لتفكيك روسيا إلى دويلات، بعدد جمهوريات ومناطق الاتحاد السوفييتي السابق.