ما أشبه اليوم بالبارحة، ففي منتصف الثمانينات، وفي ضواحي العاصمة بكين الهادئة النائمة في السكون عقدت السعودية أهم صفقاتها العسكرية، إنها صواريخ رياح الشرق، في تلك الصفقة التي لفتها السرية والمفاوضات المنعزلة، فوجئ العالم بعد وصول الصواريخ للأراضي السعودية، وبنفس الأسلوب وبنفس الصدمة يفاجئ السعوديون العالم بعقد صفقة مع إيران وبنكهة صينية مرة أخرى.
زلزال هائل أصاب الشرق الأوسط نهاية الأسبوع الفائت، هكذا وصف الكثير من المراقبين الاتفاق السعودي الإيراني، بالتأكيد لا يشبه الزلازل العادية، لكنه أعمق في تأثيراته الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
نحن نتحدث عن دولتين إقليميتين كبيرتين في المنطقة (السعودية وإيران)، تعيشان على ضفتي الخليج العربي، وقدر الجغرافيا والتاريخ أن يتجاورا، والدول الكبرى تحاول استقطابهما للعمل معهما في مداراتها، وكثير ما تباعدت تلك المدارات واحتكت وتخاصمت.
كثير من المتطفلين والمنتفعين يتمنون لو أن الصفقة السعودية الإيرانية لم تتم، كما يتمنون عدم نجاحها؛ لأنهم سيصبحون عاطلين سياسياً، لقد كان تَصدُّرهم المشهد مجرد تطفّل على الخلاف السعودي الإيراني، ولعل أيتام الاتفاق السعودي الإيراني كثر، لكن أبرزهم هم أولئك المتاجرون بأزمة الخلاف الذين اعتبروا إيران بنك أمنهم الاحتياطي، الذي يستطيعون استخدامه في أول خلاف أو خصومة مع السعودية، ليعلن ذلك البنك إفلاسهم وفشلهم.
المدهش أن السعوديين أجروا التفافة دبلوماسية حادة جدّاً، لكنهم اختاروا بحر الصين العظيم؛ لكي تبحر فيه جِمَالَ صبرهم، جاء الاتفاق في وقت كانت الصحف الغربية تنشر تقارير عن قرب إقامة علاقات سعودية إسرائيلية، وتنسج قصصاً خيالية، وتؤلف سيناريوهات من اختراعها، وتضع مصادر خاصة من عندها، كان السعوديون كعادتهم يعملون في صمت في الطرف الآخر من العالم، ويضعون اللمسات الأخيرة على واحدة من الصفقات الكبرى في عالم السياسة بينهم وبين الإيرانيين.
النيويورك تايمز التي تعد نفسها زعيمة الإعلام الغربي ورأس حربة البيت الأبيض الديموقراطي، كانت قد نشرت في تقرير لها -عشية الصفقة السعودية الصينية الإيرانية- ما يلي:
«إن السعودية تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، ومساعدة واشنطن في تطوير برنامج نووي مدني، وقيود أقل على مبيعات الأسلحة الأمريكية كثمن لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإذا تم إبرام الصفقة، فيمكنها أن تؤدي إلى إعادة تنظيم سياسي كبير للشرق الأوسط». (انتهى النص)
أكثر المصدومين الذين ابتلعوا ألسنتهم بعد البيان الإيراني الذي سبق البيانين الصيني والسعودي، معلناً التوصل للاتفاق، كانوا الأمريكان، فقد وجدوا أنفسهم يغرقون في بحر رمال السياسة السعودية دون أن يستطيعوا التعليق سلباً (كما اعتادوا خلال السنوات الماضية).
لن ينسى السعوديون اتفاق الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مع إيران، عندما كشف حينها مسؤول أمريكي شارك في مفاوضات جنيف الأولى بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه كان نتيجة مفاوضات سرية بدأت قبل أشهر من العام 2013، كانت رسالة مدوية تقول إن الامريكان عزموا الرحيل من الشرق الأوسط وترك حلفائهم لمصيرهم، لقد وصلت الرسالة وعلى واشنطن أن تلوم نفسها.
العالم أجمع قال وقتها إن أمريكا تجنبت حلفاءها الذين توقعوا أن تنسق معهم واشنطن حول أي اتفاق يخص أمن الخليج؛ لذلك قررت الرياض أن لا تُخدع مرة أخرى، وأن تأخذ على عاتقها ما يخدم «السعودية أولاً»، وألا تتلقى نتائج اتفاقيات أو تدفع فواتير على حساب فضائها الأمني ومصالحها الاستراتيجية.
يجب التذكير كيف أن التحرك السعودي جاء ضمن إعادة هيكلة العلاقات الاستراتيجية السعودية، التي تبدأ من بكين مروراً عبر موسكو ولا تنتهي في واشنطن، فالسعودية صديقة الجميع، وهي في منطقة تؤهلها للعب أدوار يعجز عنها المتخاصمون والمتنافسون.
لقد أتت القمة العربية والخليجية الصينية المنعقدة في الرياض قبل أشهر بنتائج إيجابية سريعة، في تأكيد على أن الإدارة السعودية التي نوّعت سلة خياراتها كانت محقة في ذلك، وأن الصينيين الذين دلفوا للمنطقة من بابها السياسي بعدما عسكروا طويلاً في معامل الصناعة، قدموا المصداقية وهو ما سمح بنجاح وسرعة الاتفاق، كما أنه ألزمهم بعدم السماح بغرق أول اتفاق سياسي يرعونه، لأنه أمر سيرجح تفوقهم من عدمه في عالم تتشكل أقطابه الكبرى.
زلزال هائل أصاب الشرق الأوسط نهاية الأسبوع الفائت، هكذا وصف الكثير من المراقبين الاتفاق السعودي الإيراني، بالتأكيد لا يشبه الزلازل العادية، لكنه أعمق في تأثيراته الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
نحن نتحدث عن دولتين إقليميتين كبيرتين في المنطقة (السعودية وإيران)، تعيشان على ضفتي الخليج العربي، وقدر الجغرافيا والتاريخ أن يتجاورا، والدول الكبرى تحاول استقطابهما للعمل معهما في مداراتها، وكثير ما تباعدت تلك المدارات واحتكت وتخاصمت.
كثير من المتطفلين والمنتفعين يتمنون لو أن الصفقة السعودية الإيرانية لم تتم، كما يتمنون عدم نجاحها؛ لأنهم سيصبحون عاطلين سياسياً، لقد كان تَصدُّرهم المشهد مجرد تطفّل على الخلاف السعودي الإيراني، ولعل أيتام الاتفاق السعودي الإيراني كثر، لكن أبرزهم هم أولئك المتاجرون بأزمة الخلاف الذين اعتبروا إيران بنك أمنهم الاحتياطي، الذي يستطيعون استخدامه في أول خلاف أو خصومة مع السعودية، ليعلن ذلك البنك إفلاسهم وفشلهم.
المدهش أن السعوديين أجروا التفافة دبلوماسية حادة جدّاً، لكنهم اختاروا بحر الصين العظيم؛ لكي تبحر فيه جِمَالَ صبرهم، جاء الاتفاق في وقت كانت الصحف الغربية تنشر تقارير عن قرب إقامة علاقات سعودية إسرائيلية، وتنسج قصصاً خيالية، وتؤلف سيناريوهات من اختراعها، وتضع مصادر خاصة من عندها، كان السعوديون كعادتهم يعملون في صمت في الطرف الآخر من العالم، ويضعون اللمسات الأخيرة على واحدة من الصفقات الكبرى في عالم السياسة بينهم وبين الإيرانيين.
النيويورك تايمز التي تعد نفسها زعيمة الإعلام الغربي ورأس حربة البيت الأبيض الديموقراطي، كانت قد نشرت في تقرير لها -عشية الصفقة السعودية الصينية الإيرانية- ما يلي:
«إن السعودية تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، ومساعدة واشنطن في تطوير برنامج نووي مدني، وقيود أقل على مبيعات الأسلحة الأمريكية كثمن لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإذا تم إبرام الصفقة، فيمكنها أن تؤدي إلى إعادة تنظيم سياسي كبير للشرق الأوسط». (انتهى النص)
أكثر المصدومين الذين ابتلعوا ألسنتهم بعد البيان الإيراني الذي سبق البيانين الصيني والسعودي، معلناً التوصل للاتفاق، كانوا الأمريكان، فقد وجدوا أنفسهم يغرقون في بحر رمال السياسة السعودية دون أن يستطيعوا التعليق سلباً (كما اعتادوا خلال السنوات الماضية).
لن ينسى السعوديون اتفاق الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مع إيران، عندما كشف حينها مسؤول أمريكي شارك في مفاوضات جنيف الأولى بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه كان نتيجة مفاوضات سرية بدأت قبل أشهر من العام 2013، كانت رسالة مدوية تقول إن الامريكان عزموا الرحيل من الشرق الأوسط وترك حلفائهم لمصيرهم، لقد وصلت الرسالة وعلى واشنطن أن تلوم نفسها.
العالم أجمع قال وقتها إن أمريكا تجنبت حلفاءها الذين توقعوا أن تنسق معهم واشنطن حول أي اتفاق يخص أمن الخليج؛ لذلك قررت الرياض أن لا تُخدع مرة أخرى، وأن تأخذ على عاتقها ما يخدم «السعودية أولاً»، وألا تتلقى نتائج اتفاقيات أو تدفع فواتير على حساب فضائها الأمني ومصالحها الاستراتيجية.
يجب التذكير كيف أن التحرك السعودي جاء ضمن إعادة هيكلة العلاقات الاستراتيجية السعودية، التي تبدأ من بكين مروراً عبر موسكو ولا تنتهي في واشنطن، فالسعودية صديقة الجميع، وهي في منطقة تؤهلها للعب أدوار يعجز عنها المتخاصمون والمتنافسون.
لقد أتت القمة العربية والخليجية الصينية المنعقدة في الرياض قبل أشهر بنتائج إيجابية سريعة، في تأكيد على أن الإدارة السعودية التي نوّعت سلة خياراتها كانت محقة في ذلك، وأن الصينيين الذين دلفوا للمنطقة من بابها السياسي بعدما عسكروا طويلاً في معامل الصناعة، قدموا المصداقية وهو ما سمح بنجاح وسرعة الاتفاق، كما أنه ألزمهم بعدم السماح بغرق أول اتفاق سياسي يرعونه، لأنه أمر سيرجح تفوقهم من عدمه في عالم تتشكل أقطابه الكبرى.