-A +A
أسامة يماني
العملية الخاصة، كما تسميها روسيا، أو الحرب على أوكرانيا، كما يطلق عليها الغرب، كشفت كثيراً من المستور وأظهرت العديد من خفايا الاختلافات بين الحلفاء والتقارب بين الخصوم، وكأن العالم يعيش في بلاد العجائب (wonderland). أصبح اليوم تقريباً كل شيء جائزاً وممكن الحصول، مثل أن تعكس الحرب خريطة التحالفات وإعادة تشكيلها فيصبح الحليف في قائمة الخصوم والخصوم في قائمة الأعداء. يجب ألا نستبعد أي احتمال من الاحتمالات مثل تفكك الاتحاد الأوروبي، أو إعادة تشكيله، أو يعود لسابق نشأته التي تعود جذورها إلى عام 1950م، حيث كان يتألف حينها من 6 دول وهي: بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، وهولندا، وكان يسمى حينها باسم الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، واحتمال تحالف أوروبي روسي غير بعيد لأن أوروبا لم تعد تشكل أهمية مستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية. الحرب جعلت فكرة أوروبا الشرق الأوسط واقعاً يمكن تحقيقه فسوف نرى اتحادات اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. تركيا التي كانت تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستتغير بوصلتها شرقاً إلى روسيا أو جنوباً إلى التحالف مع المنطقة العربية التي كانت تركيا في السابق تسعى للسيطرة عليها أو على أضعف الاحتمالات الهيمنة عليها. أفريقيا سينالها من الحظ جانب ونحن الآن نشهد صراع الكبار على رضا الأفارقة من قبل الغرب والشرق. ستفقد إسرائيل أهميتها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، لقد أصبح العالم بلاد العجائب.

ستنتقل اهتمامات واشنطن إلى الشرق الأقصى ومناطق الصراع مع الصين وبحر العرب والخليج العربي؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تطويق الصين، لهذا سنشهد اهتماماً متزايداً بتسليح اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وأستراليا. واشنطن تسعى للتربع على عرش العالم، لكن في بلد العجائب تتغير المعطيات والوقائع والأحداث سريعاً، سوف يكون البقاء والازدهار للحالمين الذين يرغبون ويسعون لتحقيق الحلم.


قد لا نعجب إذا فقدت أوروبا اهتمامها بأوكرانيا ورأت فيها فرصة لتقاسم أراضيها. لقد كان توسع الناتو شرقاً يهدف إلى محاصرة روسيا وتقسيمها والاستفادة من مواردها وثرواتها وعلمائها وإنهاء هذا الكيان الروسي الأرثوذكسي الذي يخالف الفكر ‏الليبرالي الكاثوليكي والبروستانتي. إذا كسبت روسيا الحرب مع الغرب فلن تصبح لأوكرانيا المدمرة أي مصلحة للغرب بشكل مجمل فيها، فالغرب ليس مستعداً لدفع تكاليف الإعمار وإعادة البناء والأفضل أن تتقاسمها الدول المحيطة. لقد اختار الغرب رئيساً لأوكرانيا ولم تختره أوكرانيا، فبكل المقاييس ليس من مصلحة بلد أن تختلق النزاع والحرب كما فعلت أوكرانيا، لعل هذا الدرس تتعلمه إسرائيل.

العملية الروسية في أوكرانيا أظهرت مدى تخبط الغرب وتناقضه، فقد ثار الغرب على البرلمان الجورجي الذي أصدر قانون العملاء الأجانب والذي ينظم عمل المؤسسات التي تعمل في الداخل الجورجي ومدعومة من الخارج وهذا القانون شبيه بالقانون الأمريكي «وكلاء الدول الأجنبية»، وعلى الفور اعتبر الاتحاد الأوروبي قانون جورجيا مخالفاً للحريات. لم يعد الأمر حرية تعبير وأنما مصالح وسيطرة وهيمنة، لقد جاءت الحرب على أوكرانيا بكشف المخبأ والازدواجية الغربية. هذه الحرب كشفت المستور، لقد جعلت سويسرا تعاني من شح عملاء البنوك الجدد نظراً للسياسات الاقتصادية التي لم تراعِ القوانين الدولية التي لا تجيز تجميد الأصول إلا بحكم قضائي.

لن يكون عجيباً إذا رأينا العالم يصنع عملة معيارية تنهي جبروت الآلة الاقتصادية الأمريكية التي من خلالها تتحكم في العالم، ونرى بنكاً دولياً وصندوق نقد جديداً بمعايير عادلة ومحايدة.

عجائب سوف يعيشها العالم تتغير فيه الموازين والنظرة للكون ومستقبله بعيداً عن الهيمنة والسيطرة الغربية التي استمرت لقرون. عالم يمكن فيه للجميع مشاهدة عجائبه والاستفادة من دروسه التي سيدركها المعسكر الغربي أو الشرقي أو الدول التي ستصعد وتصبح مؤثرة في المشهد العالمي الجديد.