ورحل «طاهر حسين» بصمت، دون ضجيج، مثلما عاش حياته زاهداً في الضوء والشهرة. حتى مرضه الأخير الذي فارق الحياة على إثره لم يرغب أن يعلمه حتى أقرب الأصدقاء له، مثلما كان في حياته حريصاً على إخفاء متاعبه وآلامه عن أقرب الأقربين. يحضر بكامل بهجته ومرحه وحديثه الشيّق وثقافته الواسعة في كل أدب وفن.
وصل الصبي اليمني إلى المملكة قبل اكتمال العقد الأول من عمره، قصته هي قصة أي يمني آخر كُتبت على جبينه ثيمة الاغتراب عن وطنه، لكن قدره كان أقسى حين اغترب طفلاً وحيداً. نشأ وهو يصارع من أجل تأمين لقمة العيش، لكن يبدو أنه اغترب وأهازيج وألحان اليمن مخبأة في جيناته، فلم يجد لاحقاً حياة يستطيع عيشها غير حياة الفن، فقرر أن يكون فناناً مختلفاً، ليس عادياً ولا عابراً ولا نسخة مكررة من غيره. أخذ ينهل بشغف ووعي من الثقافات الموسيقية العربية والعالمية، وأما الفن اليمني فقد أصبح فيه موسوعة مرجعية نادرة. وبجانب الفن حرص مبكراً على القراءة بنهم في الأدب والفكر والتأريخ والفلسفة وكل مناهل الثقافة، فأصبح الفنان المثقف الذي يضع معاييره الخاصة في التعامل مع الفن. مرت عليه أطوار وتشكلات الأغنية المحلية والعربية وصولاً إلى المرحلة الراهنة، لكنه احتفظ بفلسفته وقناعاته الذاتية في مفهوم ومعنى الفن، وصياغة الألحان والشعر المغنّى، وذلك من أهم أسباب عدم معرفة الجيل الحالي بإنتاجه. كان بإمكانه أن يجاري أي موجة فنية جديدة ويتفوق فيها، لكنه لم يهتم أبداً بهذا الشأن، ولم يكن هاجسه، فقد كانت له شريحة معينة يستهدفها بفنه، وليس الجماهيرية والانتشار الكثيف بإنتاج يجعله حاطب ليل يختلط غثه بثمينه.
ينتمي طاهر حسين -رحمه الله- إلى جيل الرواد الكبار في الفن والموسيقى، عاصرهم وعايشهم وكانوا يقدرون خصوصية نهجه ومقدرته الكبيرة وثقافته الفنية الغزيرة، قدم عشرات الألحان لمعظم الفنانين، وربما كانت آخر ألحانه قصيدة «بوابة الريح» للشاعر الفذ محمد الثبيتي -رحمه الله- التي اختار فنان العرب محمد عبده أن يلحنها طاهر. وأيضاً كان -رحمه الله- عنصراً فاعلاً في الوسط الأدبي والثقافي، صديقاً للمثقفين بمختلف اهتماماتهم وتوجهاتهم، كتب أجمل الشعر الغنائي في قضايا إنسانية خارج الصندوق المألوف للأغنية العاطفية، وأجمل أغانيه هي التي كتبها وغناها بصوته.
عرفت طاهر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، اقتربنا كثيراً من بعضنا، نفترق ونلتقي، نغيب ونعود، وأجده ذلك الشخص الذي لا يتغير. خالط طاهر كبار القوم وعاش مع أبسط بسطاء الناس بمبادئ وقيم وأخلاق ثابتة. لم يكن همه المال ورغد العيش، بل عاش أقرب إلى الشظف ولكن بروح قانعة، مر على الحياة خفيفاً ساخراً بها، وغادرها فجأةً بهدوء وصمت. بالصدفة كنت مع بعض الأصدقاء نتحدث عنه قبل ثلاثة أيام، وأخبرنا أحدهم أنه في المستشفى، قررنا زيارته في اليوم التالي، لكننا فوجئنا في صباح اليوم بخبر وفاته.
رحل طاهر وهو في كمال نضجه الإنساني والثقافي والفني، وخلال كتابتي هذه السطور تذكرت واحدة من أجمل أغانيه: «عادها شمس»، فعلاً يا أبا وليد لقد رحلت وشمسك تشع في نفوسنا، ولن تغيب أبداً.
وصل الصبي اليمني إلى المملكة قبل اكتمال العقد الأول من عمره، قصته هي قصة أي يمني آخر كُتبت على جبينه ثيمة الاغتراب عن وطنه، لكن قدره كان أقسى حين اغترب طفلاً وحيداً. نشأ وهو يصارع من أجل تأمين لقمة العيش، لكن يبدو أنه اغترب وأهازيج وألحان اليمن مخبأة في جيناته، فلم يجد لاحقاً حياة يستطيع عيشها غير حياة الفن، فقرر أن يكون فناناً مختلفاً، ليس عادياً ولا عابراً ولا نسخة مكررة من غيره. أخذ ينهل بشغف ووعي من الثقافات الموسيقية العربية والعالمية، وأما الفن اليمني فقد أصبح فيه موسوعة مرجعية نادرة. وبجانب الفن حرص مبكراً على القراءة بنهم في الأدب والفكر والتأريخ والفلسفة وكل مناهل الثقافة، فأصبح الفنان المثقف الذي يضع معاييره الخاصة في التعامل مع الفن. مرت عليه أطوار وتشكلات الأغنية المحلية والعربية وصولاً إلى المرحلة الراهنة، لكنه احتفظ بفلسفته وقناعاته الذاتية في مفهوم ومعنى الفن، وصياغة الألحان والشعر المغنّى، وذلك من أهم أسباب عدم معرفة الجيل الحالي بإنتاجه. كان بإمكانه أن يجاري أي موجة فنية جديدة ويتفوق فيها، لكنه لم يهتم أبداً بهذا الشأن، ولم يكن هاجسه، فقد كانت له شريحة معينة يستهدفها بفنه، وليس الجماهيرية والانتشار الكثيف بإنتاج يجعله حاطب ليل يختلط غثه بثمينه.
ينتمي طاهر حسين -رحمه الله- إلى جيل الرواد الكبار في الفن والموسيقى، عاصرهم وعايشهم وكانوا يقدرون خصوصية نهجه ومقدرته الكبيرة وثقافته الفنية الغزيرة، قدم عشرات الألحان لمعظم الفنانين، وربما كانت آخر ألحانه قصيدة «بوابة الريح» للشاعر الفذ محمد الثبيتي -رحمه الله- التي اختار فنان العرب محمد عبده أن يلحنها طاهر. وأيضاً كان -رحمه الله- عنصراً فاعلاً في الوسط الأدبي والثقافي، صديقاً للمثقفين بمختلف اهتماماتهم وتوجهاتهم، كتب أجمل الشعر الغنائي في قضايا إنسانية خارج الصندوق المألوف للأغنية العاطفية، وأجمل أغانيه هي التي كتبها وغناها بصوته.
عرفت طاهر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، اقتربنا كثيراً من بعضنا، نفترق ونلتقي، نغيب ونعود، وأجده ذلك الشخص الذي لا يتغير. خالط طاهر كبار القوم وعاش مع أبسط بسطاء الناس بمبادئ وقيم وأخلاق ثابتة. لم يكن همه المال ورغد العيش، بل عاش أقرب إلى الشظف ولكن بروح قانعة، مر على الحياة خفيفاً ساخراً بها، وغادرها فجأةً بهدوء وصمت. بالصدفة كنت مع بعض الأصدقاء نتحدث عنه قبل ثلاثة أيام، وأخبرنا أحدهم أنه في المستشفى، قررنا زيارته في اليوم التالي، لكننا فوجئنا في صباح اليوم بخبر وفاته.
رحل طاهر وهو في كمال نضجه الإنساني والثقافي والفني، وخلال كتابتي هذه السطور تذكرت واحدة من أجمل أغانيه: «عادها شمس»، فعلاً يا أبا وليد لقد رحلت وشمسك تشع في نفوسنا، ولن تغيب أبداً.