-A +A
حمود أبو طالب
رغم المشاكل المتفاقمة التي تعيشها أمريكا حالياً بسبب صراع الكبار بشكل غير مسبوق، والشحن السياسي والانقسام الحاد والصدام العنيف الذي تصاعد بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري على خلفية محاكمة الرئيس السابق دونالد ترمب، ورغم المشاكل الداخلية العديدة، وحرب أوكرانيا التي بدأت تلسع أصابع أمريكا سياسياً واقتصادياً، ولكن رغم كل هذا الوضع السيئ الذي يتطلب التركيز التام عليه، فإن أمريكا ما زال لديها وقت لممارسة هوايتها الأثيرة بأن تكون حاضرة في كل شاردة وواردة في العالم، وأن كل دول العالم يجب أن تستشيرها وتحظى بموافقتها على قراراتها قبل اتخاذها حتى لو كانت قرارات سيادية.

منذ اتفاق بكين بين المملكة وإيران، والصحف الأمريكية الرئيسية ومحطات التلفزة المهمة لم تتوقف يوماً عن ضخ المقالات والتحليلات عن الاتفاق، والتي يكاد معظمها يدس السم في العسل، فبعد امتداح الخطوة، كونها نقلة مهمة باتجاه السلام في المنطقة، يبدأ الكلام الآخر عن خطورة حضور الصين في الملفات الكلاسيكية الأمريكية في منطقتنا، وأن المملكة تقوم بتغيير الجغرافيا السياسية فيها دون اكتراث بأمريكا، الحليف الاستراتيجي التأريخي الذي بدأت تدير له ظهرها. معظم ما يكتب تشعر أن فيه شكلاً من التعبئة ضد المملكة موجهاً للرأي العام، ومحاولة تصويرها في الذهنية الأمريكية بالدولة التي تضع يدها في أيدي خصوم أمريكا، وأنه يجب إعادة النظر في ملف العلاقات مع المملكة. في المقابل تأتي تصريحات البيت الأبيض وبقية الجهات الرسمية ضبابية ومواربة.


مثل هذا الخطاب الإعلامي الأمريكي السلبي الكثيف خطير لأنه يخلط أوراق الحقائق مع الافتراضات. المملكة سياستها الجديدة واضحة ومعلنة في التعامل مع الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهي البحث عن الحلول المفيدة أينما كانت. المملكة عنصر سلام فعال في المجتمع الدولي، تستثمر أي فرصة ممكنة لتحقيقه أينما كان، وتظل علاقاتها والتزاماتها مع الآخرين موضع احترام لديها لتحقيق التوازن. دول الغرب والشرق تعرف ذلك جيداً، وتعرف إمكانات المملكة وتقدرها، لكن أمريكا استكثرت عليها القيام بخطوة تأريخية لم تكن أمريكا لترعاها أو تشارك بها أو تهيئ لها فرصة النجاح حتى لو تحولت المنطقة إلى يباب.