-A +A
علي محمد الحازمي
هجمة شرسة تتبناها كثير من الدول للانقلاب على العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم والتي ظلت وما زالت مهيمنة لعقود من الزمن على التعاملات العالمية. كثر الحديث خلال الفترة الحالية عن رغبة خروج العالم من عباءة الدولار أو على الأقل التكتلات الكبرى كالاتحاد الأوروبي ومجموعة البريكس التي تمثل 42 % من سكان العالم وتشكل مساحتها ثلث مساحة العالم وناتجها المحلي يتجاوز ثلث الناتج المحلي العالمي. كان آخر تلك التلميحات ما جاء على لسان رئيس ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا ماكرون عندما قال «علينا أن نقلل من الاعتماد على الدولار» في رسالة مفادها أن الوضع الحالي لم يعد يحتمل.

لا خلاف على أن الدولار ينظر إليه على أنه أحد الملاذات وأكثر الاستثمارات أماناً في العالم، لكن أحد العوامل التي تحد من حماس البلدان تجاه العملة الأمريكية هو احتمال الخضوع للسلطة القضائية الأمريكية عندما تتعامل بالدولار. عندما يتم استخدام الدولار الأمريكي أو تسوية المعاملات من خلال بنك أمريكي، تخضع تلك الكيانات للسلطة القضائية الأمريكية، حتى لو لم يكن لها علاقة بالولايات المتحدة. في المجمل تعامل الدول والشركات بالدولار في علاقاتها الدولية وتعاملاتها التجارية يعطي الحق للسلطات القضائية الأمريكية بمقاضاتهم في حال لم تكن راضية عن تلك التعاملات، لذلك نجد العديد من الدول تتعرض للعقوبات الأمريكية من خلال استخدام الدولار.


العالم سئم مما يحدث في الداخل الأمريكي من أزمات اقتصادية يطال تأثيرها كل الاقتصاديات العالمية، وكأنهم حقول تجارب لمنتجات مالية معقدة كقنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة يتم تصديرها لهم. الدولار القوي مؤلم لمعظم دول العالم المتقدم منها والناشئة والنامية فبارتفاعه ترتفع أسعار العديد من المنتجات للمستهلكين والشركات، مما يتسبب في حدوث تضخم في جميع أنحاء العالم. حتى الديون المقومة بالدولار الخاصة بالدول والشركات ستكافح للعثور على مزيد من عملتها المحلية لخدمة ديونها في ظل ارتفاع وقوة الدولار والأزمة التي تعيشها سيرلانكا خير دليل على ذلك. وفي ذات السياق قوة الدولار تخلق ضغوطاً على البنوك المركزية العالمية لرفع أسعار الفائدة الخاصة بها لدعم عملتها المحلية حتى لا تكون هناك هجرة لتلك الأموال للولايات المتحدة الأمريكية هذا بدوره سيؤدي إلى مزيد من الضغط على الدول ذات المستويات المرتفعة من الديون.