كمٌ كبيرٌ من الجعجعة الإعلامية، وقليلٌ من الطحن لما تبثه التلفزيونات هذه الأيام عما يدور في السودان من معارك طاحنة بين جنرالين عسكريين، حاولا طويلاً تأجيل انتقال السلطة إلى المؤسسة المدنية كما وعدا، وحينما استنفدا كل الأعذار ومبررات التأجيل والتسويف منذ سنة 2019 لنقل السلطة، جاءت لحظة الحقيقة وهي استحالة وجود قيادتين عسكريتين جنباً إلى جنب ورأساً برأس في بلد واحد. فكان القرار أن يتم حرق السودان والسودانيين لكي يتفرد أحدهما بالسلطة أو أن يتقاسما السودان شرقاً وغرباً أو شمالاً وجنوباً، بعدما فرط قبلهما الجنرال عمر البشير بجزء إستراتيجي وحيوي من السودان فكان انفصال جنوب السودان مقابل أن يبقى فخامته على الكرسي.
إن حرباً بحجم وضراوة الحرب التي تدور رحاها في السودان منذ أربعة أيام (وهي مرشحة للاستمرار بطبيعة الحال)، لا يمكن أن تكون نتيجة وحيدة للصراع بين جنرالين عسكريين ضاقا ذرعاً ببعضهما فقط، ما لم يكن وراء هذه الحرب من يغذيها ويسهر على استمرار جذوتها ممن لهم باع وتاريخ طويل في دق الأسفين بين الشعوب وضرب الأمن والسلم الأهليين لكل دولة وفي كل زاوية من العالم كما هي الحرب في ليبيا وفي أوكرانيا، وكما هي الحرب المشتهاة في تايوان الصينية.
يُلخِّص غاندي تجربته مع اللؤم البريطاني بقوله: «لو أن سمكتين تقاتلتا في البحر، فاعلم أن بريطانيا وراء اقتتالهما». ومن سوء حظ السودان والسودانيين أن بريطانيا ووريثتها حاضرتان بقوة في الشأن السوداني منذ استقلال السودان وإلى اليوم. ومن سوء حظ العالم أن «اللؤم» البريطاني تطور كثيراً ومر بطفرات جينية متعددة وخطيرة، فمن الخفاء إلى العلن، ومن غياب الشمس عن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إلى غياب الشمس عن هيمنة القطب الواحد، حيث النمر الجريح يهدد بالغواصات النووية الأمريكية في مواجهة الدبلوماسية الصينية.
الأهمية الجغرافية للسودان ولأفريقيا ليست جديدة، بمعادنها وذهبها ومائها وخصوبة تربتها ومواردها فوق الأرض وتحتها من غاز وبترول ومعادن، لكن الجديد هو العنصر الزمني الأفريقي والذي يمكن أن يفسر ما يجري بالسودان بعمق ومن الجذور.
يمثل السودان وأفريقيا عنصراً زمنياً بالغ الأهمية يضاف للعنصر الجغرافي في ظل احتدام منافسة القوى العالمية على تقاسم النفوذ وصياغة التحالفات وتشكيل النظام العالمي الجديد. فالولايات المتحدة التي تصدرت العالم كقطب أوحد تفكك الاتحاد السوفيتي لم تعد قادرة على شغل هذا المقعد، فقوى عالمية أصبحت في مواقع متقدمة ومتطورة تضاهي القدرة الأمريكية عسكرياً واقتصادياً وتقنياً وتأتي في مقدمتها الصين، ناهيك عن تململ وضيق دول كثيرة بتخبط وإدارة أمريكا لعلاقاتها مع الأصدقاء، فضلاً عن الخصوم والأعداء. فتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً في بكين هي واحدة من مواقف عديدة التي ترسم الصورة لما باتت عليه علاقات أمريكيا والعالم، كما أن ما تسرب من الوثائق الأمريكية مؤخراً يكشف بجلاء ما خفي من أزمة الثقة التي تحيط بالسياسة الأمريكية تجاه حلفائها، كما أن المواقف الأمريكية وردود الفعل الأمريكية تجاه الدول والمجموعات التي قررت استبدال الدولار بعملاتها الوطنية أو عملات جديدة، يكشف عمق المأزق الذي تعانيه أمريكا في هذه المرحلة.
فوق كل ذلك، وامتداداً لكل ما سبق الإشارة إليه، هناك تيار سياسي أفريقي عريض وقوي وعابر لأغلب الدول الأفريقية، يريد إعادة تحرير أفريقيا من الهيمنة والتبعية الأمريكية والفرنسية وكل الدول ذات التاريخ الاستعماري.
يُعد تفتيت السودان وتحويله إلى دولة فاشلة هدفاً إستراتيجياً غربياً امتداداً لذات المشروع الغربي في ليبيا والصومال للحيلولة دون تحقيق أفريقيا الموحدة اقتصادياً على يد الصين، والتي تعد أفريقيا سوقا مهماً لمنتجاتها وطريق حريرها. كما أن تفتيت السودان يضرب أي مشروع اقتصادي عربي-أفريقي مستقبلي بمعزل عن المظلة الغربية، ناهيك عن أن تفتيت السودان يمكن أن يضر بمصر التي هي مستهدفة ككتلة سكانية وكدولة مجاورة للكيان الإسرائيلي، بل إن تفتيت السودان يلتقي مع مشروع النهضة الإثيوبي في كثير من جوانبه.
فهل ينجح قطار الدبلوماسية الصينية بعبور أفريقيا من خلال مصالحة جنرالات الخرطوم ليتم معها إجهاض أكبر مشروعات نهب أفريقيا وسرقتها ووقف تفقير وتجويع الأفارقة؟ وهل تنجح الصين بإسدال الستار على أسوأ فصول التاريخ البشري على الإطلاق؟
إن حرباً بحجم وضراوة الحرب التي تدور رحاها في السودان منذ أربعة أيام (وهي مرشحة للاستمرار بطبيعة الحال)، لا يمكن أن تكون نتيجة وحيدة للصراع بين جنرالين عسكريين ضاقا ذرعاً ببعضهما فقط، ما لم يكن وراء هذه الحرب من يغذيها ويسهر على استمرار جذوتها ممن لهم باع وتاريخ طويل في دق الأسفين بين الشعوب وضرب الأمن والسلم الأهليين لكل دولة وفي كل زاوية من العالم كما هي الحرب في ليبيا وفي أوكرانيا، وكما هي الحرب المشتهاة في تايوان الصينية.
يُلخِّص غاندي تجربته مع اللؤم البريطاني بقوله: «لو أن سمكتين تقاتلتا في البحر، فاعلم أن بريطانيا وراء اقتتالهما». ومن سوء حظ السودان والسودانيين أن بريطانيا ووريثتها حاضرتان بقوة في الشأن السوداني منذ استقلال السودان وإلى اليوم. ومن سوء حظ العالم أن «اللؤم» البريطاني تطور كثيراً ومر بطفرات جينية متعددة وخطيرة، فمن الخفاء إلى العلن، ومن غياب الشمس عن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إلى غياب الشمس عن هيمنة القطب الواحد، حيث النمر الجريح يهدد بالغواصات النووية الأمريكية في مواجهة الدبلوماسية الصينية.
الأهمية الجغرافية للسودان ولأفريقيا ليست جديدة، بمعادنها وذهبها ومائها وخصوبة تربتها ومواردها فوق الأرض وتحتها من غاز وبترول ومعادن، لكن الجديد هو العنصر الزمني الأفريقي والذي يمكن أن يفسر ما يجري بالسودان بعمق ومن الجذور.
يمثل السودان وأفريقيا عنصراً زمنياً بالغ الأهمية يضاف للعنصر الجغرافي في ظل احتدام منافسة القوى العالمية على تقاسم النفوذ وصياغة التحالفات وتشكيل النظام العالمي الجديد. فالولايات المتحدة التي تصدرت العالم كقطب أوحد تفكك الاتحاد السوفيتي لم تعد قادرة على شغل هذا المقعد، فقوى عالمية أصبحت في مواقع متقدمة ومتطورة تضاهي القدرة الأمريكية عسكرياً واقتصادياً وتقنياً وتأتي في مقدمتها الصين، ناهيك عن تململ وضيق دول كثيرة بتخبط وإدارة أمريكا لعلاقاتها مع الأصدقاء، فضلاً عن الخصوم والأعداء. فتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً في بكين هي واحدة من مواقف عديدة التي ترسم الصورة لما باتت عليه علاقات أمريكيا والعالم، كما أن ما تسرب من الوثائق الأمريكية مؤخراً يكشف بجلاء ما خفي من أزمة الثقة التي تحيط بالسياسة الأمريكية تجاه حلفائها، كما أن المواقف الأمريكية وردود الفعل الأمريكية تجاه الدول والمجموعات التي قررت استبدال الدولار بعملاتها الوطنية أو عملات جديدة، يكشف عمق المأزق الذي تعانيه أمريكا في هذه المرحلة.
فوق كل ذلك، وامتداداً لكل ما سبق الإشارة إليه، هناك تيار سياسي أفريقي عريض وقوي وعابر لأغلب الدول الأفريقية، يريد إعادة تحرير أفريقيا من الهيمنة والتبعية الأمريكية والفرنسية وكل الدول ذات التاريخ الاستعماري.
يُعد تفتيت السودان وتحويله إلى دولة فاشلة هدفاً إستراتيجياً غربياً امتداداً لذات المشروع الغربي في ليبيا والصومال للحيلولة دون تحقيق أفريقيا الموحدة اقتصادياً على يد الصين، والتي تعد أفريقيا سوقا مهماً لمنتجاتها وطريق حريرها. كما أن تفتيت السودان يضرب أي مشروع اقتصادي عربي-أفريقي مستقبلي بمعزل عن المظلة الغربية، ناهيك عن أن تفتيت السودان يمكن أن يضر بمصر التي هي مستهدفة ككتلة سكانية وكدولة مجاورة للكيان الإسرائيلي، بل إن تفتيت السودان يلتقي مع مشروع النهضة الإثيوبي في كثير من جوانبه.
فهل ينجح قطار الدبلوماسية الصينية بعبور أفريقيا من خلال مصالحة جنرالات الخرطوم ليتم معها إجهاض أكبر مشروعات نهب أفريقيا وسرقتها ووقف تفقير وتجويع الأفارقة؟ وهل تنجح الصين بإسدال الستار على أسوأ فصول التاريخ البشري على الإطلاق؟