الدبلوماسية من أهم أدوات السياسة الخارجية لأي دولة. الولايات المتحدة ليست استثناء. فالدبلوماسية تُعَدّ أكثر أدوات السياسة الخارجية كفاءة وفاعلية خدمةً لمصالح الدولة والذود عن أمنها، بأقل تكلفة ممكنة وبأكبر عائد مجزٍ. بل إن الدبلوماسية تتقدم أكثر أدوات السياسة الخارجية هجومية وشراسة. الأداة العسكرية تقبع في خلفية السلوك الخارجي للولايات المتحدة خدمةً للدبلوماسية، اكتفاءً بإمكانات الردع الإستراتيجي التي توفرها، رغم تكلفتها المرتفعة.. وجاهزيتها المستنفرة، وعدم الاستغناء أبداً عن خيارها.
من أهم خصائص الدبلوماسية الأمريكية منهجية «الغموض البناء». المتابع لحركة السياسة الخارجية الأمريكية، يلاحظ: حرصاً شكلياً على مراعاة قواعد التعامل الدولي.. واحتراماً متكلفاً بمؤسسات النظام الدولي وقيمه.. ورغبة مصطنعة للتعبير عن حب السلام. مع ذلك لا يمكن تحديد موقف للدبلوماسية الأمريكية، يعكس زعمها العلني هذا عن حبها للسلام.. ويشير لغيرتها على استقرار النظام الدولي وأمنه. دعك إظهار إخلاص حقيقي منها لما ترفعه من شعارات لنشر الديمقراطية.. ودعم حقوق الإنسان.. والحفاظ على البيئة.. والانتصار لفكرة حل المشاكل والنزاعات الدولية بالطرق السلمية، والترفع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
الولايات المتحدة تتبع دبلوماسياً، على مسرح السياسة الدولية، نهجَ «الغموض البناء» من أجل تكريس واقع غير مستقر وقابل للتفجر في أي وقت، ترى أن استمراره وتكريسه في مصلحتها ودوماً بإمكانها احتواءه وتحييده. في الشرق الأوسط، على سبيل المثال: واشنطن لا تخفي دعمها لإسرائيل ظالمةً ومغرقةً في الظلم. في نفس الوقت: تعلن التزامها وتمسكها بقرار مجلس الأمن ٢٤٢ لسنة ١٩٦٧، الذي لا يجيز احتلال إسرائيل للأراضي العربية.. وتعلن، صباح مساء، معارضتها لإجراءات إسرائيل لتغيير معالم أراضٍ عربيةٍ تحتلها، كما هو حال رفضها بناء المستوطنات.. ودعمها لإقامة دولة فلسطينية، وتأييدها لخيار الدولتين.
في المقابل: لا نرى سوى اهتمام الدبلوماسية الأمريكية بجانب واحد من هذه المعادلة، الخاص بدعم إسرائيل والالتزام بالدفاع عنها. أما الجانب الآخر الخاص بالعرب والفلسطينيين لا تُرْعِيه أي اهتمام، إلا تكرار التذكير به في أوقات التوتر واشتعال الموقف. بل إن الدبلوماسية الأمريكية، وهي تعلن عن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، نراها تُحَرِّم على الفلسطينيين الدفاع عن حقوقهم، حتى بالطرق السلمية، بل نكاية بالفلسطينيين تعلّق واشنطن التزامها المعلن بقضيتهم، في إنشاء دولتهم، على الاتفاق مع الإسرائيليين، في ظل توازن القوى المجحف بين الطرفين!
في الجانب الآخر من العالم، غرب الباسفيك، َتظْهَرُ صورةٌ «كوربونية» أخرى من دبلوماسية «الغموض البناء» الأمريكية. في سبعينيات القرن الماضي طورت الولايات المتحدة إستراتيجية التعايش السلمي، فكانت أن انفتحت على الصين.. واعترفت بحكومة الصين الشعبية.. وقطعت علاقتها الدبلوماسية مع تايوان (الصين الوطنية).. واعترفت بمبدأ الصين الواحدة، ووافقت على تقلد بكين مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن. لكنها، في نفس الوقت: احتفظت بعلاقات اقتصادية وصلات سياسية وإستراتيجية قوية مع تايبيه.. وأعلنت رفضها ضم الجزيرة للصين بالقوة.. وإعلانها التزامها الدفاع عن تايوان، ورفضها أي محاولة من قبل الصين لضمها، بدون اتفاق بين الجانبين.
في النهاية: بموجب دبلوماسية «الغموض البناء» هذه، احتفظت واشنطن لنفسها بوجود إستراتيجي دائم أو من السهل تفعيله متى شاءت في مناطق العالم المتوترة، حفاظاً على مكانتها المهيمنة على النظام الدولي، بأقل تكلفة ممكنة وأجزل عائد ممكن.
باختصار: الولايات المتحدة بدبلوماسية «الغموض البناء»، تريد أن تتمتع بامتيازات مكانة الهيمنة الكونية، التي وصلت إليها دون قتال عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، دون أن تدفع تكلفتها المستحقة. هذا وضعٌ لن يطول، إذا ما واجهت واشنطن تحدياً جدياً لزعمها المكانة الكونية (الحصرية) من منافسٍ أمميٍ لديه القدرة الإستراتيجية والإرادة السياسية العازمة والماضية، على حسم مسألة الهيمنة الكونية، مثل الصين.
الصدام الكوني بين الصين والولايات المتحدة قادم، وقد يأتي على الحقبة الأمريكية، ربما بنهاية هذا العقد، أو على الأكثر بحلول المئوية الأولى للحرب الكونية الثانية.
من أهم خصائص الدبلوماسية الأمريكية منهجية «الغموض البناء». المتابع لحركة السياسة الخارجية الأمريكية، يلاحظ: حرصاً شكلياً على مراعاة قواعد التعامل الدولي.. واحتراماً متكلفاً بمؤسسات النظام الدولي وقيمه.. ورغبة مصطنعة للتعبير عن حب السلام. مع ذلك لا يمكن تحديد موقف للدبلوماسية الأمريكية، يعكس زعمها العلني هذا عن حبها للسلام.. ويشير لغيرتها على استقرار النظام الدولي وأمنه. دعك إظهار إخلاص حقيقي منها لما ترفعه من شعارات لنشر الديمقراطية.. ودعم حقوق الإنسان.. والحفاظ على البيئة.. والانتصار لفكرة حل المشاكل والنزاعات الدولية بالطرق السلمية، والترفع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
الولايات المتحدة تتبع دبلوماسياً، على مسرح السياسة الدولية، نهجَ «الغموض البناء» من أجل تكريس واقع غير مستقر وقابل للتفجر في أي وقت، ترى أن استمراره وتكريسه في مصلحتها ودوماً بإمكانها احتواءه وتحييده. في الشرق الأوسط، على سبيل المثال: واشنطن لا تخفي دعمها لإسرائيل ظالمةً ومغرقةً في الظلم. في نفس الوقت: تعلن التزامها وتمسكها بقرار مجلس الأمن ٢٤٢ لسنة ١٩٦٧، الذي لا يجيز احتلال إسرائيل للأراضي العربية.. وتعلن، صباح مساء، معارضتها لإجراءات إسرائيل لتغيير معالم أراضٍ عربيةٍ تحتلها، كما هو حال رفضها بناء المستوطنات.. ودعمها لإقامة دولة فلسطينية، وتأييدها لخيار الدولتين.
في المقابل: لا نرى سوى اهتمام الدبلوماسية الأمريكية بجانب واحد من هذه المعادلة، الخاص بدعم إسرائيل والالتزام بالدفاع عنها. أما الجانب الآخر الخاص بالعرب والفلسطينيين لا تُرْعِيه أي اهتمام، إلا تكرار التذكير به في أوقات التوتر واشتعال الموقف. بل إن الدبلوماسية الأمريكية، وهي تعلن عن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، نراها تُحَرِّم على الفلسطينيين الدفاع عن حقوقهم، حتى بالطرق السلمية، بل نكاية بالفلسطينيين تعلّق واشنطن التزامها المعلن بقضيتهم، في إنشاء دولتهم، على الاتفاق مع الإسرائيليين، في ظل توازن القوى المجحف بين الطرفين!
في الجانب الآخر من العالم، غرب الباسفيك، َتظْهَرُ صورةٌ «كوربونية» أخرى من دبلوماسية «الغموض البناء» الأمريكية. في سبعينيات القرن الماضي طورت الولايات المتحدة إستراتيجية التعايش السلمي، فكانت أن انفتحت على الصين.. واعترفت بحكومة الصين الشعبية.. وقطعت علاقتها الدبلوماسية مع تايوان (الصين الوطنية).. واعترفت بمبدأ الصين الواحدة، ووافقت على تقلد بكين مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن. لكنها، في نفس الوقت: احتفظت بعلاقات اقتصادية وصلات سياسية وإستراتيجية قوية مع تايبيه.. وأعلنت رفضها ضم الجزيرة للصين بالقوة.. وإعلانها التزامها الدفاع عن تايوان، ورفضها أي محاولة من قبل الصين لضمها، بدون اتفاق بين الجانبين.
في النهاية: بموجب دبلوماسية «الغموض البناء» هذه، احتفظت واشنطن لنفسها بوجود إستراتيجي دائم أو من السهل تفعيله متى شاءت في مناطق العالم المتوترة، حفاظاً على مكانتها المهيمنة على النظام الدولي، بأقل تكلفة ممكنة وأجزل عائد ممكن.
باختصار: الولايات المتحدة بدبلوماسية «الغموض البناء»، تريد أن تتمتع بامتيازات مكانة الهيمنة الكونية، التي وصلت إليها دون قتال عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، دون أن تدفع تكلفتها المستحقة. هذا وضعٌ لن يطول، إذا ما واجهت واشنطن تحدياً جدياً لزعمها المكانة الكونية (الحصرية) من منافسٍ أمميٍ لديه القدرة الإستراتيجية والإرادة السياسية العازمة والماضية، على حسم مسألة الهيمنة الكونية، مثل الصين.
الصدام الكوني بين الصين والولايات المتحدة قادم، وقد يأتي على الحقبة الأمريكية، ربما بنهاية هذا العقد، أو على الأكثر بحلول المئوية الأولى للحرب الكونية الثانية.