-A +A
عقل العقل
نحن كعرب بعيدون عن الشأن السياسي السوداني الداخلي، لم يتوقع الكثير من المتابعين أن تتفجر الأوضاع هناك بهذه الحدة والتصادم المسلح بين مكونات عسكرية وطنية سودانية، في لحظة حزينة في زمن الانكسار العربي الذي نعيشه نتسمر أمام شاشات التلفزة لمتابعة قتال وتدمير لبلد شقيق وصديق ومسالم لنا وقواته تتعارك على السلطة وتدمر مكتسبات الوطن من مقار حكومية ومطارات مدنية وعسكرية، والأهم هو سقوط الضحايا من مدنيين وعسكريين في أرقام مرشحة للزيادة في الأسابيع القادمة إذا استمر الوضع على حاله وفشلت جهود الوساطة العربية والأفريقية والدولية، من متابعة الوضع هناك أن الحسم العسكري لأحد الطرفين غير وارد في اللحظة الحالية وقد يتطور إلى الأسوأ في بلد متعدد الاثنيات الدينية والقبلية والبعض منها قد تصبح حاضنة لهذا الطرف أو ذاك، مما يهدد الدولة السودانية ويعرضها للتفتت وتجزئة ما تبقى من السودان، فيمكن أن نشهد انفصالاً جديداً هناك، هذا باعتقادي المهدد الأول لهذا الصراع المسلح الذي نشهده في العاصمة والمدن الرئيسية في البلاد، المهدد الآخر هو أن يصبح السودان ساحة معركة بالوكالة لقوى إقليمية ودولية وقد يكون لها علاقة بالصراع الغربي الروسي الصيني وساحاته متعددة ومرشحة للزيادة، وقد تكون القارة الأفريقية إحدى مناطقه المفتوحة في تنافس خشن ضد التدخلات الروسية والصينية في مناطق يعتبرها العرب مناطق نفوذ تاريخية له للأسف.

يتردد في الداخل السوداني أن سبب هذا الانفجار الدموي المسلح هو فشل العملية السياسية بين المكونات المدنية والجيش السوداني وقوات التدخل السريع ممثلة بقائدها، ويردد قائدو المكونين العسكريين أن سبب الاقتتال هو بسبب خلافهما حول تسليم السلطة للقوى المدنية والاحتكام للعملية الديمقراطية، أما قواتهما فسوف تكون حامية لخيارات الشعب السوداني ولكن مثل هذا الكلام لا قيمة له، فيبدو أن قرب الاستحقاقات السياسية قد ساعد في تفجر الأوضاع العسكرية بالبلاد في محاولة لقطع الطريق على العملية السياسية برمتها وقد يكون لبعض القوى الغربية وخاصة الأمريكية وجهة نظر خاصة في ضرب العسكر في بعض وخلق حالة من الضعف في هذه المؤسسة الراسخة حتى تستطيع واشنطن مع حلفائها بترتيب سياسي داخلي له شكل ديمقراطي وتعددي بعيداً عن الجيش.


أتمنى أن يعم السلام السودان، هذا البلد الشقيق الذي تربطنا بأهله علاقات أخوة عربية وأواصر دينية وإنسانية وامتدادات وصلات منذ سنين، ويعود لأهله الأمن في منازلهم وحياتهم، فقلوبنا يعتصرها الألم ونحن نشاهدهم محاصرين في بيوتهم والبعض عالقين في مقار عملهم من مدارس ومستشفيات، هذه مناظر موجعة وتبعث على الحزن في قلوبنا لشعب شقيق اختلطت دماؤه مع دماء جنودنا في مواقع الشرف والبطولة.