-A +A
علي محمد الحازمي
ما بين انقلاب وآخر يتأكد لنا أن لعنة الحروب الأهلية التي تطارد الشعب السوداني على مدى الخمسين عاماً الماضية ليس لها آخر، متأرجحة بين الديمقراطية تارة والحكم العسكري تارة أخرى. تلك اللعنة ألقت بظلالها السلبية على الاقتصاد السوداني ككل على مر السنين؛ لأن لكل تيار أفكاره ومبادئه وسياساته الاقتصادية الخاصة، مما تسبّب في عدم الاتساق والعشوائية وعدم اليقين في السياسات الاقتصادية. السياسة الاقتصادية هي جزء لا يتجزأ من السياسة العامة لأي دولة، لذلك تأرجح الاقتصاد السوداني وفق تلك السياسات والأيديولوجيات بين الرأسمالية والاشتراكية والأيديولوجية الإسلامية والليبرالية، أصبح مع مرور الوقت عبارة عن حقل للتجارب والنزاعات الفكرية.

من يتتبع التحولات التي عاشها السودان سياسياً واقتصادياً يتضح له جلياً معاناة الأيديولوجية الاقتصادية في السودان من التناقض الشديد على المستوى المفاهيمي بين ما لم يتم نقله عن قصد من الأيديولوجية الاقتصادية الغربية، وبين ما هو حقيقي. من انعكاسات تلك الأفكار أصبح العقل الاقتصادي الذي يقود السودان يميل عموماً إلى المبالغة في التجريد والتهرب من مواجهة المشكلات المعقدة للحقائق الاقتصادية. بمعنى أوضح تحاول العقلية التي قادت السودان سياسياً واقتصادياً إلى إخضاع هذه الحقائق الاقتصادية لمفاهيمها الخاصة التي من المؤكد أن تلك المفاهيم لا تخضع لواقع هذه الحقائق.


لو نظرنا إلى الاقتصاد السوداني في التاريخ الحديث منذ بداية تسعينيات القرن الماضي نلاحظ أنه شهد ارتفاعاً في معدل النمو في منتصف التسعينيات من عام 1994 إلى 2008 بعد دخول النفط في الدورة الاقتصادية للسودان، إلا أن الدولة لم تكن قادرة على الاستفادة من هذا الازدهار للحفاظ على موثوقية واستقرار الاقتصاد بسبب الارتباك والعشوائية في صنع السياسات الاقتصادية.

صراعات أهلية ونزاعات سياسية دمرت كل ما هو جميل داخل سلة الغذاء العربي التي أضحت سلة للقنابل والمتفجرات، لك أن تتخيل أن الجوهرة السوداء ذات النهرين والتضاريس الشاسعة والمسطحات المليئة بالعناصر الغذائية التي تقدر بأكثر من 180 مليون فدان، وثالث أكبر بلد منتج للنفط والذهب في أفريقيا، أكثر من 20 مليوناً من شعبه يعاني من الجوع. باختصار صراع الجنرالات أثخن الشعب السوداني بالجراح.