في هذه الأيام السعيدة هناك أناس لديهم كل أسباب السعادة المادية والمعنوية لكنهم مع هذا يعيشون في جحيم خاص من صنع أدمغتهم يسمى الوسواس القهري، وأيا كان موضوعه فهو يحول حياة صاحبه إلى جحيم ذاتي ويحرمه كل نشاطات الحياة الطبيعية والسعيدة كالاجتماع مع الناس، ويجعله مشغولاً بشكل دائم بتكرار الأمور التي يلح عليه وسواسه للقيام بها، ومهما كان عقلانياً ومتعلماً فهو يجد نفسه عالقاً بالحلقة المغلقة للوساوس القهرية، وأكثر من عالم حائز على جائزة نوبل بمجالات العلم المعقدة مات بسبب إصابته بالوسواس القهري الذي جعله ينتهي للامتناع عن الطعام والشراب لوسواسه أنه ملوث أو مسموم، فالدماغ متى شكل الشبكة العصبية الخاصة بأنماط الوسواس القهري سيقوم بتكرارها تلقائيا بدون إرادة صاحبه، ولذا هو من أسوأ الأمور التي يمكن أن يصاب بها إنسان لأنه في كل مصيبة دماغ الإنسان يعمل لصالحه لإخراجه من المصيبة إلا بحالة الوسواس القهري حيث الدماغ يعمل ضد صاحبه، وهناك عقاقير طبية يمكنها أن تساعد بعملها على كيميائية الدماغ لكنها غالباً لا تشفي من الوسواس القهري إنما فقط تخفف حدته، فما يشفي منه هو نوع من العلاج السلوكي يسمى بالطب النفسي «التعرض»، أي أن يتعرض الشخص للمؤثر الذي لديه وسواس تجاهه لكن بدل أن تكون له ردة الفعل التلقائية المعتادة الوسواسية يمتنع عن القيام بأي ردة فعل ويتحمل التوتر المفرط الذي سيشعر به نتيجة ذلك، وإن كان يشعر أنه غير قادر على تحمله لوحده يمكنه القيام بتمارين التعرض بحضور الطبيب المعالج أو فرد داعم من العائلة، ومع التعود على عدم القيام بردة الفعل الوسواسية ستتغير الخريطة العصبية للدماغ التي كانت تسبب الإلحاح الوسواسي القهري ويزول تدريجيا حس الإلحاح الوسواسي القهري، كما أنه من المساعد التفهم الفكري للأسباب التي أدت لتطور النمط الوسواسي القهري؛ فالوسواس غالباً يبدأ في أعقاب المعاناة من صدمة نفسية شديدة أدت لردة فعل مفرطة بإرادة الحماية والوقاية، وإن وعي الإنسان ذلك يمكنه إدراك أن موضوع وسواسه لا يمثل ذلك الخطر المرعب الذي يشعر أنه يمثله، فحس الخطر الزائد سببه الصدمة النفسية التي تزامنت مع بدء الوسوسة حول الأمر الذي أصبح موضوع وسواسه، ويحاول أن يخرج نفسه خارج صندوق تمحور حياته حول وسواسه ولو بأن يخرج للأماكن العامة أو يتطوع لكي لا يبقى لوحده مع وسواسه ووضعه المادي المعتاد الذي يذكره بوسواسه في البيت، ويحاول إشغال نفسه وعقله بشكل دائم بالتخطيط لأمور يفعلها لأنه طالما دماغه ليس مشغولاً بشيء آخر سيجتر الوساوس القهرية، وقد يكون مساعداً الخضوع للعلاج بالتنويم المغناطيسي لدى طبيب نفسي مختص، ومن المهم أن يخفض الإنسان توتره بأقصى ما يمكن لأن التوتر يزيد من حدة أعراض الوسواس القهري، ولذا يجب على المحيطين به أن لا يضغطوا عليه بأي شكل يزيد من توتره، ودينياً الشخص وإن أصابه الوسواس بشأن يخص الدين وشرائعه كالطهارة وما شابهها فشرعاً عليه تغليب اليقين ومجرد الشك لا يؤخذ به، وإن كانت وساوسه المتعلقة بالدين ذات طبيعة فكرية فهناك جواب لكل شك وسؤال وليس صحيحاً أن هناك شكوكاً وأسئلة لا أجوبة لها بالدين، وعلى الشخص أن يستمر بمدافعتها دون البحث عن إجابة لها، فالإجابة عنها تزيلها كوسواس، وتوجد الإجابات غالباً في كتب العلماء الغربيين المؤمنين لأن حججهم تطورت وتعمقت لمواكبة حجج الطرف الآخر الملحد بسبب الحرية الفكرية، وكل نوع وسواس موضوعه فكري كالأسئلة الوجودية والفلسفية علاجه بالعثور على إجابات له.