-A +A
عقل العقل
أحس بالحزن وأنا أقرأ قضايا التشهير التي تعلن عنها وزارة التجارة في قضايا التستر التجاري، بسبب أن المبالغ والأموال التي يحصلون عليها ممن يتسترون عليهم زهيدة وقليلة جداً، وهذا لا يعني بالطبع أنني أبرر وأطالبهم بأن يحصلوا على ملايين من تلك الأنشطة التجارية التي يديرها أجانب بأسماء مواطنين، فلماذا يتورط البعض منا في قضايا تستر تجاري لها تبعات قوية الآن كما تنص عليها الأنظمة والقوانين من غرامات مالية كبيرة وسجن وتشهير بالصحف على حساب المتسترين، كلنا يعرف أن التستر آفة مضرة بالاقتصاد الوطني تضعف قضايا السعودة في بعض القطاعات، وتحرم الدولة من حقوقها الضريبية في تلك الأنشطة، وأنا مثل الآخرين أقرأ وأتابع قضايا وجولات وزارة التجارة على المنشآت التجارية لضبط عمليات التستر التجاري في أسواقنا المحلية، وهذه جهود مشكورة ولكنها باعتقادي غير كافية في التعاطي مع هذه القضية المعقدة، فنشاهد مثلاً الكثير من الأنشطة التجارية في شوارعنا في المدن والقرى يديرها عمالة، بل إنها مسيطرة على تلك الأنشطة، مثلاً نشاط البقالات والمغاسل ومحلات الخضار كلها تديرها مجموعات أجنبية محددة، ونادراً ما تجد سعودياً يعمل فيها، إذن المسألة ليست توفر اشتراطات بلدية ورخص من التجارة وغيرها وأجهزة دفع إلكترونية في تلك المحلات، مهم أن التوطين في تلك القطاعات يكون فيه نسب محددة من المواطنين والمواطنات، فمثلاً في أحياء شمال الرياض نادراً أن تجد سعودياً أو سعودية يعمل في بقالة أو مغسلة أو محل للخضار، فقط السعودة تتمثل بلوحات أسماء تلك المحلات وأن ملاكها هم منا، غير ذلك لا أتوقع أن الغالبية منهم مشاركون ويحصلون على مداخيل مرضية من تلك الأنشطة، فلا يعقل أن نجد الآلاف من الأجانب مثلاً يديرون البقالات على مدار الساعة وتجد الزحام والنجاح لتلك الأنشطة ويأتي المواطن ويشاركهم بالأرباح بنسب متساوية معهم، أنا لا أحرض على قطع الأرزاق للأجانب في هذه الأنشطة التجارية التي تبدو بالظاهر أنها متوافقة مع الأنظمة ومنها محاربة التستر التجاري، ولكنها بالحقيقة غير ذلك وخاصة على أرض الواقع.

ما أثارني لكتابة هذه الأفكار ما قرأته الأسبوع الماضي في بعض الصحف المحلية، حول تشهير وزارة التجارة بمواطنة وزوجها بصفته وكيل أعمالها وعلى مقيم تركي، في جريمة تستر تجاري في نشاط مطاعم الوجبات السريعة.


أتعاطف مع هذه السيدة وزوجها جراء ما دخلوا فيه من إشكالية قادتهم إلى هذه النهايات غير السعيدة، ووصلت الأمور بالتشهير فيهم وعلى حسابهم جراء الطمع وضعف الوازع الوطني، وقد يكون لظروفهم الاقتصادية الصعبة علاقة بذلك، فكيف بالمنطق والحسبة الاقتصادية أن يحصلوا على 1,770 ريالاً شهرياً من المقيم الأجنبي الذي يشغل المطعم، هذا مبلغ زهيد جداً لا يستاهل المغامرة مثلاً للدخول في قضايا تستر ومخالفة أنظمة رسمية، هل الدافع هو الطمع والاتكالية منهم على الأقل لو كانوا يشاركونه في نصف أرباحه لكان هذا مبرراً، أما المبلغ الذي يحصلون عليه شهرياً، فأنا على قناعة أنه يربحه في يوم أو نصف يوم عمل، والمتسترون يحصلون على الفتات والفضيحة بالنهاية. أتمنى أن تقوم وزارة التجارة والبرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري بدراسة أسباب قيام البعض منا بعمليات تستر تجاري مردودها متواضع جداً ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، وهذا طبعاً لا يعني عدم مراقبة وتضييق الخناق على هوامير التستر أصحاب الملايين والمليارات، الغريب في قضايا التستر المتواضعة أن المرأة حاضرة فيها كصاحبة نشاط وهذا لافت، فمن يلتفت ويتابع أسماء أصحاب البقالات والمغاسل وبيع الخضار يجد في الغالب أن أصحابها من النساء، وهذا يشرح الصدر ويدخل في تمكين المرأة السعودية اقتصادياً، ولكننا نريدها أن تكون مشاركة فعلياً بالعمل والأرباح والتجربة التجارية.