-A +A
حمود أبو طالب
الأسئلة المهمّة التي يجب أن يفكر بها كل مهموم بأوضاع بعض الدول العربية التي عصفت بها الحروب في السنوات الماضية بعد مؤامرة الربيع العربي، هي: هل كان من المنطق ترك سورية في عزلتها واستمرارها تحت هيمنة الدول غير العربية التي تغلغلت فيها وفرضت أجنداتها عليها، مهما كانت الملاحظات على النظام السوري والأخطاء الكبيرة التي ارتكبها بحق الشعب في ظل فوضى عارمة اجتاحت المنطقة؟ وهل من العقل تعميق الفجوة بينها وبقية محيطها العربي؟ وهل مقبول إنسانياً أن نشاهد تفاقم معاناة الشعب السوري والملايين من نازحيه ومهاجريه ونصمت؟ وهل سيقبل منا التأريخ عدم التدخل لإنقاذ دولة عربية كبيرة ذات أهمية بالغة، دخلت في أزمة عميقة ذات انعكاسات أمنية وسياسية واقتصادية خطيرة عليها وعلى المنطقة؟

كان للمملكة موقف قوي وحاسم في بداية الأزمة لصالح الشعب السوري، لم يكن مقبولاً لديها ما كان يحدث له من قسوة النظام الذي فتح بوابة الآخرين بعد عزله عربياً، لكن التطورات المتسارعة والخطيرة في المنطقة استلزمت نظرة أخرى جديدة للواقع السوري، فالوضع لم يعد يقبل استمرار انهيار بلد عربي وتحويله إلى ساحة لتصارع القوى والفوضى ومد النفوذ، إذ يكفي ما حدث، ولا بد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والاكتفاء بما حدث من خسارات، وإعادة ترتيب الوضع العربي بمجمله ليكون قادراً على مقاومة المزيد من الاختراقات.


هذا بالضبط ما تقوم به المملكة في اتجاهات ومسارات عديدة، فبعد جولات كثيفة من المفاهمات والحوارات تمت إعادة تنشيط ملف عودة سورية إلى المحيط العربي، بدأ ذلك بالتواصل الثنائي السعودي السوري لترتيب آلية العودة، ثم نقل الملف إلى الجامعة العربية التي باركت ذلك، وترحيب مجلس الوزراء السعودي في جلسته الأخيرة بكل ما تم، مع إعلان عودة عمل البعثة الدبلوماسية السعودية في سورية.

المملكة تعي جيداً دورها ومسؤوليتها التأريخية في ظل الظروف الحساسة التي يمر بها العالم العربي؛ ولذلك هي مستمرة في ترميم ما تهدّم في البيت العربي، ومعالجة الأعطاب التي ألمّت به، ومن أجل نجاح هذه المهمة النبيلة لا بد أن تتضافر جهود جميع العرب معها، وتقديم المصلحة الجمعية على المصالح الخاصة التي قد تتعارض مع الأهداف العليا التي تحقق الأمن والاستقرار للجميع.