-A +A
نجيب يماني
الخُلع هو إزالة ملك النكاح بعوض وبتراضٍ بين الزوجين بمقابل تدفعه الزوجة لزوجها وهي مهمة منوطة بالقاضي يطبّق فيها دستور الحياة الزوجية {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

رُويت أحاديث عدة عن الخُلع باختلاف ألفاظه وتعدّد طُرق حديثه منها أن زوجة ثابت بن قيس أتت إلى رسول الله فقالت يا رسول الله ما أعتب عليه في خُلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال لها الرسول «أتردين عليه حديقته؟». فقالت نعم، فقال «أقبل الحديقة» وطلّقها تطليقة. وفي رواية ثانية قال عليه الصلاة والسلام «أتردين عليه حديقته؟»، فقالت نعم وإن شاء زدته فقال أما الزيادة فلا وفرّق بينهما.


وفي رواية أن حبيبة بنت سهل الأنصاري كانت تحت ثابت بن قيس وأن رسول الله خرج لصلاة الصبح فوجد حبيبة عند بابه فقال لها من هذه؟ قالت أنا حبيبة بنت سهل فقال ما شأنك فقالت لا أنا ولا ثابت، لزوجها، فلما جاء زوجها قال له رسول الله «هذه حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر» فقالت حبيبة كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله خُذ منها وجلست في أهلها.

وفي رواية رابعة أن جميلة بنت سلول أتت النبي فقالت والله ما أعتب على ثابت بن قيس في دين ولا خُلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً فقال لها النبي «أتردّين عليه حديقته»، فقالت نعم، فأمره النبي أن يأخذ ما ساق ولا يزداد.

وفي رواية خامسة أن جميلة بنت سلول كانت تحت ثابت بن قيس فنشزت عليه فأرسل لها النبي فقال «يا جميلة ما كرهت من ثابت» فقالت والله ما كرهت منه ديناً ولا خُلقاً إلا انّي كرهت دمامته فقال لها «أتردّين عليه حديقته» فقالت نعم، فردّتها وفرّق بينهما.

وفي رواية خامسة كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس وكان رجلاً دميماً فقالت يا رسول الله لولا مخافة الله إذا دخل علي بصقت في وجهه فقال لها رسول الله «أتردّين عليه حديقته» قال نعم، فرّدت عليه حديقته ففرّق بينهما.

الرواية السادسة أن أخت عبدالله بن أُبي أتت النبي فقالت يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً إنّي رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة إذا هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً، فقال «أتردّين عليه حديقته»، فقالت نعم، ففرّق بينهما.

يتضح أن أحاديث الخلع أتت مضطربة بصيغ مختلفة يقول ابن الصلاح أن الحديث المضطرب هو الذي تختلف الرواية فيه وهو موجب لضعف الحديث.

هذه الزوجة أي كانت هي من طلبت الخُلع من زوجها ثابت بن قيس وهو من الأنصار شهد أُحد وما بعدها شهد له الرسول بالجنة لم تنكر عليه زوجه دينه أو خُلقه إلا أنّه كان دميماً وقبيحاً وهذا من حق المرأة أن تبحث عن الرجل الجميل الوسيم كما هو من حق الزوج أن يبحث عن المرأة الجميلة الوضيئة

وهذه حالة خاصة والحالة الخاصة لا يجوز أن يُبنى عليها حكم.

لذا فإن من العدل والإنصاف أن يُستخلص حكم الخُلع من ظروف وملابسات القضية. فالمرأة التي تخلع زوجها كونه قصيراً أو دميماً أو ليس وسيماً أو جميلاً مثل أبطال السينما أو طفشت من البيت والتزاماته وفي خيالها الأجمل والأريح وأصرت على خلعه فهذه ترد عليه حديقته من حقه ذلك قولاً واحداً.

أما الزوجة التي يتعسف زوجها في استخدام سلطاته الذكورية تجاهها ويسيء معاملتها مستخدماً يده ولسانه لا يصون عشرتها ولا يراعي حقوقها ولا يعرف واجباته بخيل في جيبه وعواطفه وقد يتزوج عليها ويتركها معلّقة.

صبرت عليه طويلاً لعل وعسى أن ينصلح وسمعت أن (بنت الرجال تصبر) وصبرت حتى طفح بها الكيل

فهذه ليس أمامها إلا أن (تخلعه) ولا ترد عليه حديقته فمهرها خاص لها فرضه الله بقوله تعالى {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أي فريضة؛ والمهر يكون للزوجة لقاء التمتّع بالبضع فهو بعد النكاح ملك للمرأة والزوج له حق الاستباحة لا الملك.

إضافةً إلى قيامها بواجباتها المنزلية وحملها ورضاعها يقول تعالى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} فهو بعد إن أساء عشرتها وفض الميثاق ورفض الطلاق لها أن تخلعه دون أن ترد له مهره لقوله تعالى {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا} خاصة أن أهله يعلمون عيوبه (وزوجوه علشان يعقل).

هناك أزواج يتفنون في مهانة زوجاتهم حتى يضطروهن إلى خلعهم واسترجاع صداقهن ليتزوجوا ثانية ويفعلوا بهن ما فعلوه بالأولى ويجعلوها تجارةً وينسوا قوله تعالى {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ} مثل هؤلاء الأزواج التجار يحرم عليهم أخذ العوض من زوجاتهم في حالة الخُلع.

هناك قاعدة شرعية تنص على ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس، والشريعة عدل كلها ورحمة ومصالح وحكمة للناس، فهذه المصلحة أساسها المحافظة على الدين والنفس والعقل والنسل والمال ولنا في سيّدنا عمر أسوة في استخدامه لمقاصد الشريعة وتغليب المصلحة فغيّر حكم الطلاق ومنع الزواج من الكتابيات خشية الإعراض عن بنات المسلمين وهو مُباح في القرآن ونهيه عن بيع أم الولد وهي الأَمَة التي أنجبت من سيّدها فمصالح الناس أولى أن تُؤخذ في الاعتبار ولا سيما المرأة اليوم في عهد عزِها وتمكينها.